تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٢٤
وسألها الربانيون في الاخذ بثأرهم من القرائين خلقا كثيرا وجاء القراؤون إلى ابنها الكهنون ينكرون ذلك وأنه إذا فعل بهم ذلك وقد كانوا شيعا لأبيه الإسكندر فقد تحدث النفرة من سائر الناس وسألوه أن يلتمس لهم اذنها في الخروج عن القدس والبعد عن الربانيين فأذنت لهم رغبة في انقطاع الفتنة وخرج معهم وجوه العسكر ثم ماتت خلال ذلك لتسع سنين من دولتها ويقال ان ظهور عيسى صلوات الله عليه كان في أيامها وكان ابنها ارستبلوس قائد العسكر لما شعر بموتها خرج إلى القرائين يستدعيهم إلى نصرته فأجازوه وتقبضت هي على أبنيه وامرأته واجتمعت عليه العساكر من النواحي وضرب البوق وزحف لحرب أخيه هرقانوس والربانيين وحاصرهم ارستبلوس ببيت المقدس وعزم على هدم الحصن فخرج إليه أعيان اليهود والكهنونية ساعين في الصلح بينهما وأجاب على أن يكون ملكا ويبقى هرقانوس على الكهنونية فتم ذلك واستقر عليه أمره (ابتداء أمر انظفتر أبو هيردوس) ثم سعى في الفتنة بينهما انظفتر أبو هيردوس وكان من عظماء بنى إسرائيل من الذين جمعوا مع العزير من بابل وكان ذا شجاعة وبأس وله يسار وقنية من الضياع والمواشي وكان الإسكندر قد ولاه على بلاد أروم وهي جبال الشراة فأقام في ولايتها سنين وكثر ماله وأنكحوه منهم فكان له منها أربعة من الأبناء وهم فسيلو وهيردوس وفرودا ويوسف وبنت اسمها سلومث وقيل إن انظفتر لم يكن من بنى إسرائيل وانما كان من أروم وربى في جملة بنى حسمناى وبيوتهم فلما مات الإسكندر وملكت زوجته الاسكندرة عزلته عن جبال الشراة فأقام بالقدس حتى إذا استبد بالأمر ارستبلوس وكان بين هرقانوس وانظفتر مودة وصحبة فغص ارستبلوس بمكانه من أخيه لما يعلم من مكر انظفتر وهم بقتله فانفض عنه وأخذ في التدبير على ارستبلوس وفشا في الناس تبغضه إليهم وينكر تغلبه ويذكر لهم أن هرقانوس أحق بالملك منه ثم حذر هرقانوس من أخيه وخيل إليه أنه يريد قتله وبعث لشيعة هرقانوس المال على تخويفه من ذلك حتى تمكن منه الخوف ثم أشار عليه بالخروج إلى ملك العرب هرثمة وكان يحب هرقانوس فعقد معه عهدا على ذلك ولحق هرقانوس بهرثمة ومعه انظفتر ثم دعوا هرثمة إلى حرب ارستبلوس فأجابهم بعد مراوغة وتزاحفوا ونزع الكثير من عسكر ارستبلوس إلى هرقانوس فرجع هاربا إلى القدس ونازلهم هرقانوس وهرثمة واتصلت الحرب وطال الحصار وحضر عيد الفطير وافتقد اليهود القرابين فبعثوا إلى أصحاب هرقانوس فيها فاشتطوا في الثمن ثم أخذوه ولم يعطوهم شيئا وقتلوا بعض النساك طلبوه في الدعاء على
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»