تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق١ - الصفحة ١٢٢
في رم ما ثلم من السور وحدثت خلال ذلك فتنة بين الفرس والروم فسار إليهم دمترياس في جموع الروم وبينما أبطأ هرقانوس ملك اليهود لحضور عيدهم إذ جاءه الخبر بأن الفرس هزموا دمترياس فنهز الفرصة وزحف إلى أعدائه من أهل الشأم وفتح نابلس وحصون أروم التي بجبل الشراة وقتل منهم خلقا ووضع عليهم الجزية واخذهم بالختان والتزام أحكام التوراة وخرب الهيكل الذي بناه سنبلاط السامري في طول بريد باذن الإسكندر وقهر جميع الأمم المجاورين لهم ثم بعث وجوه اليهود وأعيانهم إلى الأشياخ والمدبرين برومة يسأل تجديد العهد وأن يردوا على اليهود ما أخذ انطيخوس ويونان من بلادهم التي صارت في مملكة الروم فأجابوا وكتبوا له العهد بذلك وخاطبوه بملك اليهود وانما كان يسمى من سلف قبله من آبائه بالكوهن فسمى نفسه من يومئذ بالملك وجمع بين منزلة الكهنونة ومنزلة الملك وكان أول ملوك بنى حشمناى ثم سار إلى مدينة السامرة صبصطية ففتحها وخربها وقتل أهلها قال ابن كريون وكان اليهود في دينهم يومئذ ثلاث فرق فرقة الفقهاء وأهل القياس ويسمونهم الفروشيم وهم الربانيون وفرقة الظاهرية المتعلقين بظواهر الألفاظ من كتابهم ويسمونهم الصدوقية وهم القراؤن وفرقة العباد المنقطعين إلى العبادة والتسبيح والزهاد فيما سوى ذلك ويسمونهم الحيسيد وكان هرقانوس وآباؤه من الربانيين ففارق مذهبهم إلى القرائين لأنه جمع اليهود يوما عند ما تمهد أمره وأخذ بمذاهب الملك وألقى به في صنيع احتفل فيه وألان لهم جانبه وخضع في قوله وقال أريد منكم النصيحة فطمع بعض الربانيين فيه وقال إن النصيحة أن تنزل عن الكهنونة وتقتصر على الملك وقد فاتك شرطها لان أمك كانت سبية من أيام انطيخوس فغضب لذلك وقال للربانيين قد حكمتكم في صاحبكم فأخذوا في تأديبه بالضرب فتنمر لهم من أجل ذلك وفارق مذهبهم إلى مذهب القرائين وقتل من الربانيين خلقا كثيرا ونشأت الفتنة بين هاتين الطائفتين من اليهود واتصلت بينهم الحرب إلى هذا العهد وهلك هرقانوس لاحدى وثلاثين سنة من دولته وملك بعده ابنه ارستبلوس وكان كبيرهم وكان له ولدان آخران وهما انطقنوس ويحب الملك له ويبغض الإسكندر فأبعده إلى جبل الخليل فلما ملك ارستبلوس أخذ من اخوته بمذهب أبيهم وقبض على الإسكندر وأمه واستخلص انطقنوس وقدمه على العساكر واكتفى به في الحروب وترفع عن تاج الكهنونة ولبس تاج الملك وخرج انطقنوس إلى الأمم المجاورين الخارجين عن طاعتهم فردهم إلى الطاعة وكثرت السعاية فيه عند أخيه من البطانة وأغروه به فلما قدم انطقنوس من مغيبه وافق عيد المظال وكان أخوه ملتزما بيته لمرض طرقه فعدل انطقنوس عن بيته إلى الهيكل للتبرك فأوهموا الملك أنه انما فعل ذلك لاستمالة
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»