تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٢٧
ثم نتلوه بما يظهر فيها من التحقيق الذي عليه الامر في نفسه فنقول إن مبنى الكلام في هذه الصناعة عند الحكماء على حال المعادن السبعة المتطرقة وهي الذهب والفضة والرصاص والقصدير والنحاس والحديد والخارصين هل هي مختلفات بالفصول وكلها أنواع قائمة بأنفسها أو إنها مختلفة بخواص من الكيفيات وهي كلها أصناف لنوع واحد فالذي ذهب إليه أبو النصر الفارابي وتابعه عليه حكماء الأندلس أنها نوع واحد وأن اختلافها إنما هو بالكيفيات من الرطوبة واليبوسة واللين والصلابة والألوان من الصفرة والبياض والسواد وهي كلها أصناف لذلك النوع الواحد والذي ذهب إليه ابن سينا وتابعه عليه حكماء المشرق أنها مختلفة بالفصول وأنها أنواع متباينة كل واحد منها قائم بنفسه متحقق بحقيقته له فصل وجنس شان سائر الأنواع وبنى أبو نصر الفارابي على مذهبه في اتفاقها بالنوع إمكان انقلاب بعضها إلى بعض لامكان تبدل الاعراض حينئذ وعلاجها بالصنعة فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء عنده ممكنة سهلة المأخذ وبنى أبو علي بن سينا على مذهبه في اختلافها بالنوع إنكار هذه الصنعة واستحالة وجودها بناء على أن الفصل لا سبيل بالصناعة إليه وإنما يخلقه خالق الأشياء ومقدرها وهو الله عز وجل والفصول مجهولة الحقائق رأسا بالتصور فكيف يحاول انقلابها بالصنعة وغلطه الطغرائي من أكابر أهل هذه الصناعة في هذا القول ورد عليه بأن التدبير والعلاج ليس في تخليق الفصل وإبداعه وإنما هو في إعداد المادة لقبوله خاصة والفصل يأتي من بعد الاعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النور على الأجسام بالصقل والامهاء ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوره ومعرفته قال وإذا كنا قد عثرنا على تخليق بعض الحيوانات مع الجهل بفصولها مثل العقرب من التراب والنتن ومثل الحيات المتكونة من الشعر ومثل ما ذكره أصحاب الفلاحة من تكوين النحل إذا فقدت من عجاجيل البقر وتكوين القصب من قرون ذوات الظلف وتصييره سكرا بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك الفلح للقرون فما المانع إذا من العثور على مثل ذلك في الذهب والفضة فتتخذ مادة تضيفها للتدبير بعد أن يكون فيها استعداد أول لقبول صورة الذهب والفضة ثم تحاولها بالعلاج إلى أن يتم فيها الاستعداد لقبول فصلها انتهى كلام الطغرائي بمعناه وهو
(٥٢٧)
مفاتيح البحث: الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 ... » »»