فيها عشواء إلى هلم جرا ولا يظفرون إلا بالحكايات الكاذبة ولو صح ذلك لاحد منهم لحفظه عنه أولاده أو تلميذه وأصحابه وتنوقل في الأصدقاء وضمن تصديقه صحة العمل بعده إلى أن ينتشر ويبلغ إلينا وإلى غيرنا. وأما قولهم إن الإكسير بمثابة الخميرة وإنه مركب يحيل ما يحصل فيه ويقلبه إلى ذلك فاعلم أن الخميرة إنما تقلب العجين وتعده للهضم وهو فساد والفساد في المواد سهل يقع بأيسر شئ من الأفعال والطبائع والمطلوب بالإكسير قلب المعدن إلى ما هو أشرف منه وأعلى فهو تكوين وصلاح والتكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الإكسير بالخميرة وتحقيق الامر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان ومسلمة بن أحمد المجريطي وأمثالهم فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعي وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وهذا كلام جابر في رسائله ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجه بنا إلى شرحه وبالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع فكما لا يتدبر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد ما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا ضيع ماله وعمله ويقال لهذا التدبير الصناعي التدبير العقيم لان نيله إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع كالمشي على الماء وامتطاء الهواء والنفوذ في كثائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء قال تعالى وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيه فتكون طيرا بإذني وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها فربما أوتيها الصالح ويؤتيها غيره فتكون عنده معارة وربما أوتيها الصالح ولا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره ومن هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات النفوس وخوارق العادة إما معجزة أو
(٥٣٠)