مقامه حتى يحاذي بذلك كله فعل الطبيعة في المعدن أو تعد لبعض المواد صورة مزاجية كصورة الخميرة للخبز وتفعل في هذه المادة بالمناسبة لقواها ومقاديرها وهذه كلها إنما يحصرها العلم المحيط والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك وإنما حال من يدعي حصوله على الذهب بهذه الصنعة بمثابة من يدعي بالصنعة تخليق انسان من المني ونحن إذا سلمنا له الإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفية تخليقه في رحمه وعلم ذلك علما محصلا بتفاصيله حتى لا يشذ منه شئ عن علمه سلمنا له تحليق هذا الانسان وأنى له ذلك ولنقرب هذا البرهان بالاختصار ليسهل فهمه فنقول. حاصل صناعة الكيمياء وما يدعونه بهذا التدبير أنه مساوقة الطبيعية المعدنية بالفعل الصناعي ومحاذاتها به إلى أن يتم كون الجسم المعدني أو تخليق مادة بقوى وأفعال وصورة مزاجية تفعل في الجسم فعلا طبيعيا فتصيره وتقبله إلى صورتها والفعل الصناعي مسبوق بتصورات أحوال الطبيعة المعدنية التي يقصد مساوقتها أو محاذاتها أو فعل المادة ذات القوى فيها تصورا مفصلا واحدة بعد أخرى وتلك الأحوال لا نهاية لها والعلم البشري عاجز عن الإحاطة بما دونها وهو بمثابة من يقصد تخليق انسان أو حيوان أو نبات هذا محصل هذا البرهان وهو أوثق ما علمته وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيته ولا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها وما ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك وله وجه آخر في الاستحالة من جهة غايته وذلك أن حكمة الله في الحجرين وندورهما أنهما قيم لمكاسب الناس ومتمولاتهم فلو حصل عليهما بالصنعة لبطلت حكمة الله في ذلك وكثر وجودهما حتى لا يحصل أحد من اقتنائهما على شئ وله وجه آخر من الاستحالة أيضا وهو أن الطبيعة لا تترك أقرب الطرق في أفعالها وترتكب الأعوص وألا بعد فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون أنه صحيح وأنه أقرب من طريق الطبيعة في معدنها أو أقل زمانا لما تركته الطبيعة إلى طريقها الذي سلكته في كون الفضة والذهب وتخلقهما وأما تشبيه الطغرائي هذا التدبير بما عثر عليه من مفردات لأمثاله في الطبيعة كالعقرب والنحل والحية وتخليقها فأمر صحيح في هذه أدى إليه العثور كما زعم. وأما الكيمياء فلم ينقل عن أحد من أهل العالم أنه عثر عليها ولا على طريقها وما زال منتحلوها يخبطون
(٥٢٩)