تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٢٦
شبيها بالفضة ويخفى إلا على النقاد المهرة فيقدر أصحاب هذه الدلس مع دلستهم هذه سكة يسربونها في الناس ويطبعونها بطابع السلطان تمويها على الجمهور بالخلاص وهؤلاء أخس الناس حرفة وأسوأهم عاقبة لتلبسهم بسرقة أموال الناس فإن صاحب هذه الدلسة إنما هو يدفع نحاسا في الفضة وفضة في الذهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شر من السارق ومعظم هذا الصنف لدينا بالمغرب من طلبة البربر المنتبذين بأطراف البقاع ومساكن الأغمار يأوون إلى مساجد البادية ويموهون على الأغنياء منهم بأن بأيديهم صناعة الذهب والفضة والنفوس مولعة بحبهما والاستهلاك في طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش ثم يبقى ذلك عندهم تحت الخوف والرقبة إلى أن يظهر العجز وتقع الفضيحة فيفرون إلى موضع آخر ويستجدون حالا أخرى في استهواء بعض أهل الدنيا بأطماعهم فيما لديهم ولا يزالون كذلك في ابتغاء معاشهم وهذا الصنف لا كلام معهم لأنهم بلغوا الغاية في الجهل والرداءة والاحتراف بالسرقة ولا حاسم لعلتهم إلا اشتداد الحكام عليهم وتناولهم من حيث كانوا وقطع أيديهم متى ظهروا على شأنهم لان فيه إفسادا للسكة التي تعم بها البلوى وهي متمول الناس كافة والسلطان مكلف بإصلاحها والاحتياط عليها والاشتداد على مفسديها وأما من انتحل هذه الصناعة ولم يرض بحال الدلسة بل استنكف عنها ونزه نفسه عن إفساد سكة المسلمين ونقودهم وإنما يطلب إحالة الفضة للذهب والرصاص والنحاس والقصدير إلى الفضة بذلك النحو من العلاج وبالإكسير الحاصل عنده فلنا مع هؤلاء متكلم وبحث في مداركهم لذلك مع أنا لا نعلم أن أحدا من أهل العالم تم له هذا الغرض أو حصل منه على بغية إنما تذهب أعمارهم في التدبير والفهر والصلابة والتصعيد والتكليس واعتيام الاخطار بجمع العقاقير والبحث عنها ويتناقلون في ذلك حكايات وقعت لغيرهم ممن تم له الغرض منها أو وقف على الوصول يقنعون باستماعها والمفاوضات فيها ولا يستريبون في تصديقها شأن الكلفين المغرمين بوساوس الاخبار فيما يكلفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلك بالمعاينة أنكروه وقالوا إنما سمعنا ولم نر هكذا شأنهم في كل عصر وجيل واعلم أن انتحال هذه الصنعة قديم في العالم وقد تكلم الناس فيها من المتقدمين والمتأخرين فلننقل مذاهبهم في ذلك
(٥٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 ... » »»