تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٣١
سحرا ولهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها إلغازا لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها والله بما يعملون محيط وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها هو كما قلناه العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة والتجارة والصناعة فيستصعب العاجز ابتغاءه من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء وغيرها وأكثر من يعنى بذلك الفقراء من أهل العمران حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها واستحالتها فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان علية الوزراء فكان من أهل الغنى والثروة والفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النفوس المولعة بطرقها وانتحالها والله الرازق ذو القوة المتين لا رب سواه الفصل السابع والعشرون في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل إعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم وتعدد طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك وحينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور ولا بد دون رتبة التحصيل ويمثل ذلك من شأن الفقه في المذهب المالكي بالكتب المدونة مثلا وما كتب عليها من الشروحات الفقهية مثل كتاب ابن يونس واللخمي وابن بشير والتنبيهات والمقدمات والبيان والتحصيل على العتبية وكذلك كتاب ابن الحاجب وما كتب عليه ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله وحينئذ يسلم له منصب الفتيا وهي كلها متكررة والمعنى واحد والمتعلم مطالب باستحضار جميعها وتمييز ما بينها والعمر ينقضي في واحد منها ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الامر دون ذلك بكثير وكان التعليم سهلا ومأخذه
(٥٣١)
مفاتيح البحث: الغنى (1)، الوقوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»