ما يحصل بعد من الملكات وسبب ذلك أن التعليم في الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده لان السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حال من ينبني عليه واختلفت طرقهم في تعليم القرآن للولدان واختلافهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات فأما أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه لا يخلطون ذلك بسواه في شئ من مجالس تعليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعا عن العلم بالجملة وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر أمم المغرب في ولدانهم إلى أن يجاوز واحد البلوغ إلى الشبيبة وكذا في الكبير إذا رجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم وأما أهل الأندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو وهذا هو الذي يراعونه في التعليم إلا أنه لما كان القرآن أصل ذلك وأسه ومنبع الدين والعلوم جعلوه أصلا في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسل وأخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط والكتاب ولا تختص عنايتهم فيه بالخط أكثر من جميعها إلى أن يخرج الولد عن عمر البلوغ إلى الشبيبة وقد شدا بعض الشئ في العربية والشعر والبصر بهما وبرز في الخط والكتاب وتعلق بأذيال العلم على الجملة لو كان فيها سند لتعليم العلوم لكنهم ينقطعون عن ذلك لانقطاع سند التعليم في آفاقهم ولا يحصل بأيديهم إلا ما حصل من ذلك التعليم الأول وفيه كفاية لمن أرشده الله تعالى واستعداد إذا وجد المعلم وأما أهل أفريقية فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها إلا أن عنايتهم بالقرآن واستنظار الولدان إياه ووقوفهم على اختلاف رواياته وقراءاته أكثر مما سواه وعنايتهم بالخط تبع لذلك وبالجملة فطريقهم في تعليم القرآن أقرب إلى طريقة أهل الأندلس واستقروا بتونس وعنهم أخذ ولدانهم بعد ذلك وأما أهل المشرق فيخلطون في التعليم كذلك على ما يبلغنا
(٥٣٨)