فقد زاغ عنها ووقع في الخطأ. واعلم أن هذه الطبيعة إذا حل لها جسد من قرائنها على ما ينبغي في الحل حتى يشاكلها في الرقة واللطافة انبسطت فيه وجرت معه حيثما جرى لان الأجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط ولا تتزاوج وحل الأجساد لا يكون بغير الأرواح فافهم هداك الله هذا القول واعلم هداك الله أن هذا الحل في جسد الحيوان هو الحق الذي لا يضمحل ولا ينقص وهو الذي يقلب الطبائع ويمسكها ويظهر لها ألوانا وأزهارا عجيبة وليس كل جسد يحل خلاف هذا هو الحل التام لأنه مخالف للحياة وإنما حله بما يوافقه ويدفع عنه حرق النار حتى يزول عن الغلظ وتنقلب الطبائع عن حالاتها إلى مالها أن تنقلب من اللطافة والغلظ فإذا بلغت الأجساد نهايتها من التحليل والتلطيف ظهرت لها هنالك قوة تمسك وتغوص وتقلب وتنفذ وكل عمل لا يرى له مصداق في أوله فلا خير فيه. واعلم أن البارد من الطبائع هو ييبس الأشياء ويعقد رطوبتها والحار منها يظهر رطوبتها ويعقد يبسها وإنما أفردت الحر والبرد لأنهما فاعلان والرطوبة واليبس منفعلان وعلى انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث الأجسام وتتكون وإن كان الحر أكثر فعلا في ذلك من البرد لان البرد ليس له نقل الأشياء ولا تحوكها والحر هو غلة الحركة ومتى ضعفت علة الكون وهو الحرارة لم يتم منها شئ أبدا كما أنه إذا أفرطت الحرارة على شئ ولم يكن ثم برد أحرقته وأهلكته فمن أجل هذه العلة احتيج إلى البارد في هذه الاعمال ليقوى به كل ضد على ضده ويدفع عنه حر النار ولم يحذر الفلاسفة أكبر شئ إلا من النيران المحرقة وأمرت بتطهير الطبائع والأنفاس وإخراج دنسها ورطوبتها ونفي آفاتها وأوساخها عنها على ذلك استقام رأيهم وتدبيرهم فإنما عملهم إنما هو مع النار أولا وإليها يصير أخيرا فلذلك قالوا إياكم والنيران المحرقات وإنما أرادوا بذلك نفي الآفات التي معها فتجمع على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه وكذلك كل شئ إنما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضاد طبائعه واختلافه فيتوسط بين شيئين فلم يجد ما يقويه ويعينه إلا قهرته الآفة وأهلكته واعلم أن الحكماء كلها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ليكون ألزم إليها وأقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند الألفة أعني بذلك النار العنصرية فاعلمه. ولنقل الآن على الحجر الذي
(٥٠٨)