تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥١٢
فبقيت بين يديه مفكرا لا أقدر على الوصول إلى معناه فلما رأى ما بي من الفكر وأن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي وهزني هزة خفيفة وقال لي يا أبا بكر ذلك للنسبة التي بينهما في كمية الألوان عند امتزاج الطبائع وتأليفها فلما قال ذلك انجلت عني الظلمة وأضاء لي نور قلبي وقوي عقلي على فهمه فنهضت شاكرا الله عليه إلى منزلي وأقمت على ذلك شكلا هندسيا يبرهن به على صحة ما قاله مسلمة وأنا واضعه لك في هذا الكتاب. مثال ذلك أن المركب إذا تم وكمل كان نسبة ما فيه من طبيعة الهواء كنسبة ما في المركب من طبيعة النار إلى ما في البيضة من طبيعة النار وكذلك الطبيعتان الاخريان الأرض والماء فأقول إن كل شيئين متناسبين على هذه الصفة هما متشابهان ومثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزوح فإذا أردنا ذلك فانا نأخذ أقل طبائع المركب وهي طبيعة اليبوسة ونضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة وندبرهما حتى تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة وتقبل قوتها وكأن في هذا الكلام رمزا ولكنه لا يخفى عليك ثم تحمل عليهما جميعا مثليهما من الروح وهو الماء فيكون الجميع ستة أمثال ثم تحمل على الجميع بعد التدبير مثلا من طبيعة الهواء التي هي النفس وذلك ثلاثة أجزاء فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة وتجعل تحت كل ضلعين من المركب الذي طبيعته محيطة بسطح المركب طبيعتين فتجعل أولا الضلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء وطبيعة الهواء وهما ضلعا اح د وسطح أبجد وكذلك الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء والهواء ضلعا هزوح فأقول إن سطح أبجد يشبه سطح هزوح طبيعة الهواء التي تسمى نفسا وكذلك أبجد من سطح المركب والحكماء لم تسم شيئا باسم شئ الا لشبهه به والكلمات التي سألت عن شرحها الأرض المقدسة وهي المنعقدة من الطبائع العلوية والسفلية والنحاس هو الذي أخرج سواده وقطع حتى صار هباء ثم حمر بالزاج حتى صار نحاسيا والمغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الأرواح وتخرجه الطبيعة العلوية التي تستجن فيها الأرواح لتقابل عليها النار والفرفرة لون أحمر قان يحدثه الكيان والرصاص حجر له ثلاث قوى مختلفة الشخوص ولكنها متشاكلة ومتجانسة فالواحدة روحانية نيرة صافية وهي الفاعلة والثانية نفسانية وهي متحركة حساسة
(٥١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 ... » »»