تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٠٦
والتنقية والتكليس والتنشيف والتقليب فان من لم يعرف هذه الأصول التي هي عماد هذه الصنعة لم ينجح ولم يظفر بخير أبدا وينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أو يكتفى به وحده وهل هو واحد في الابتداء أو شاركه غيره فصار في التدبير واحدا فسمي حجرا وينبغي لك أن تعلم كيفية عمله وكمية أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الروح فيه وإدخال النفس عليه وهل تقدر النار على تفصيلها منه بعد تركيبها فان لم تقدر فلاي علة وما السبب الموجب لذلك فان هذا هو المطلوب فافهم واعلم أن الفلاسفة كلها مدحت النفس وزعمت أنها المدبرة للجسد والحاملة له والدافعة عنه والفاعلة فيه وذلك أن الجسد إذا خرجت النفس منه مات وبرد فلم يقدر على الحركة والامتناع من غيره لأنه لا حياة فيه ولا نور وإنما ذكرت الجسد والنفس لان هذه الصفات شبيهة بجسد الانسان الذي تركيبه على الغذاء والعشاء وقوامه وتمامه بالنفس الحية النورانية التي بها يفعل العظائم والأشياء المتقابلة التي لا يقدر عليها غيرها بالقوة الحية التي فيها وإنما انفعل الانسان لاختلاف تركيب طبائعه ولو اتفقت طبائعه لسلمت من الاعراض والتضاد ولم تقدر النفس على الخروج من بدنه ولكان خالدا باقيا فسبحان مدبر الأشياء تعالى. واعلم أن الطبائع التي يحدث عنها هذا العمل كيفية دافعة في الابتداء فيضية محتاجة إلى الانتهاء وليس لها إذا صارت في هذا الحد أن تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلناه آنفا في الانسان لان طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا وصارت شيئا واحدا شبيها بالنفس في قوتها وفعلها وبالجسد في تركيبه ومجسته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها فيا عجبا من أفاعيل الطبائع إن القوة للضعيف الذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها وتمامها فلذلك قلت قوي وضعيف وإنما وقع التغيير والفناء في التركيب الأول للاختلاف وعدم ذلك في الثاني للاتفاق. وقد قال بعض الأولين التفصيل والتقطيع في هذا العمل حياة وبقاء والتركيب موت وفناء وهذا الكلام دقيق المعنى لان الحكيم أراد بقوله حياة وبقاء خروجه من العدم إلى الوجود لأنه ما دام على تركيبه الأول فهو فان لا محالة فإذا ركب التركيب الثاني عدم الفناء والتركيب الثاني لا يكون إلا بعد التفصيل والتقطيع فإذا التفصيل والتقطيع في هذا العمل خاصة فإذا بقي الجسد
(٥٠٦)
مفاتيح البحث: السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 ... » »»