فهذا التهذيب الذي توصلوا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الادراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا بها الشارع على امتثال ما أمر به من الاعمال والاخلاق فامر لا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعيمهم أبو علي ابن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه إن المعاد الروحاني وأحواله هو ما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة فلنا في البراهين عليه سعة وأما المعاد الجسماني وأحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها وليرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الاحكام والاتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعملونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكة الاتقان والصواب في الحجج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم فهي أصح ما علمناه من قوانين الانظار هذه ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها والله الموفق للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الفصل الخامس والعشرون في ابطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع
(٥١٩)