حتى تلطف وترق وتصفو فإذا فعلت ذلك فقد فتح الله عليك فابدا بالتركيب الذي عليه مدارا العمل وذلك أن التركيب لا يكون إلا بالتزويج والتعفين فاما التزويج فهو اختلاط اللطيف بالغليظ وأما التعفين فهو التمشية والسحق حتى يختلط بعضه ببعض ويصير شيئا واحدا لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف وتقوى النفس على الغوص في الأجساد والدبيب فيها وإنما وجد ذلك بعد التركيب لان الجسد المحلول لما ازدوج بالروح مازجه بجميع أجزائه ودخل بعضها في بعض لتشاكلها فصار شيئا واحدا ووجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلاح والفساد والبقاء والثبوت وما يعرض للجسد لموضع الامتزاج وكذلك النفس إذا امتزجت بهما ودخلت فيهما بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الآخرين أعني الروح والجسد وصارت هي وهما شيئا واحدا لا اختلاف فيه بمنزلة الجزء الكلي الذي سلمت طبائعه واتفقت أجزاؤه فإذا ألقى هذا المركب الجسد المحلول وألح عليه النار وأظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه ذاب في الجسد المحلول ومن شأن الرطوبة الاشتعال وتعلق النار بها فإذا أرادت النار التعلق بها منعها من الاتحاد بالنفس ممازجة الماء لها فان النار لا تتحد بالدهن حتى يكون خالصا وكذلك الماء من شانه النفور من النار فإذا الحت عليه النار وأرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطيران فكان الجسد علة لامساك الماء والماء علة لبقاء الدهن والدهن علة لثبات الصبغ والصبغ علة لظهور الدهن وإظهار الدهنية في الأشياء المظلمة التي لا نور لها ولا حياة فيها فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون العمل وهذه التصفية التي سالت عنها وهي التي سمتها الحكماء بيضة وإياها يعنون لا بيضة الدجاج واعلم أن الحكماء لم تسمها بهذا الاسم لغير معنى بل أشبهتها ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوما وليس عنده غيري فقلت له أيها الحكيم الفاضل أخبرني لاي شئ سمت الحكماء مركب الحيوان بيضة اختيارا منهم لذلك أم لمعنى دعاهم إليه فقال بل لمعنى غامض فقلت أيها الحكيم وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على الصناعة حتى شبهوها وسموها بيضة فقال لشبهها وقرابتها من المركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه
(٥١١)