في الشعر ملغوزة كلها لغز الأحاجي والمعاياة فلا تكاد تفهم وقد ينسبون للغزالي رحمه الله بعض التآليف فيها وليس بصحيح لان الرجل لم تكن مداركه العالية لتقف عن خطأ ما يذهبون إليه حتى ينتحله وربما نسبوا بعض المذاهب والأقوال فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم ومن المعلوم البين أن خالدا من الجيل العربي والبداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم والصنائع بالجملة فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنية على معرفة طبائع المركبات وأمزجتها وكتب الناظرين في ذلك من الطبيعيات والطب لم تظهر بعد ولم تترجم اللهم إلا أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشبه باسمه فممكن. وأنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون لابي السمح في هذه الصناعة وكلاهما من تلاميذ مسلمة فيستدل من كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقه من التأمل قال ابن بشرون بعد صدر من الرسالة خارج عن الغرض والمقدمات التي لهذه الصناعة الكريمة قد ذكرها الأولون واقتص جميعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين المعادن وتخلق الأحجار والجواهر وطباع البقاع والأماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها ولكن بين لك من هذه الصنعة ما يحتاج إليه فتبدأ بمعرفته فقد قالوا ينبغي لطلاب هذا العلم أن يعلموا أولا ثلاث خصال أولها هل تكون والثانية من أي تكون والثالثة من أي كيف تكون فإذا عرف هذه الثلاثة وأحكمها فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته من هذا العلم وأما البحث عن وجودها والاستدلال عن تكونها فقد كفينا كه بما بعثنا به إليك من الإكسير وأما من أي شئ تكون فإنما يريدون بذلك البحث عن الحجر الذي يمكنه العمل وإن كان العمل موجودا من كل شئ بالقوة لأنها من الطبائع الأربع منها تركبت ابتداء وإليها ترجع انتهاء ولكن من الأشياء ما يكون فيه بالقوة ولا يكون بالفعل وذلك أن منها ما يمكن تفصيلها تعالج وتدبر وهي التي تخرج من القوة إلى الفعل والتي لا يمكن تفصيلها لا تعالج ولا تدبر لأنها فيها بالقوة فقط وإنما لم يمكن تفصيلها لاستغراق بعض طبائعها في بعض وفضل قوة الكبير منها على الصغير فينبغي لك وفقك الله أن تعرف أوفق الأحجار المنفصلة التي يمكن فيها العمل وجنسه وقوته وعمله وما يدبر من الحل والعقد
(٥٠٥)