تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٠٣
لان الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لا يهمنا في شئ منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع ويلحق به الطلسمات لان أثرهما واحد وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الايمانية برد الأمور إلى غير الله فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من تركه قربة إلى الله فان من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه قالوا والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه ووقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لان دلالة المعجزة على الصدق عقلية لان صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا وهو محال فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب باطلاق وأما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في نهاية الطرفين فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر وكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهما والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لا رب سواه ومن قبيل هذه التأثيرات النفسية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشئ عمن اتصف به فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين والفرق بينها وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب فصدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدورها ولهذا قالوا القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل وما ذلك إلا أنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر
(٥٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 ... » »»