تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥١٣
غير أنها أغلظ من الأولى ومركزها دون مركز الأولى والثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها وهي الماسكة الروحانية والنفسانية جميعا والمحيطة بهما أما سائر الباقية فمبتدعة ومخترعة إلباسا على الجاهل ومن عرف المقدمات استغنى عن غيرها. فهذا جميع ما سألتني عنه وقد بعثت به إليك مفسرا ونرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملك والسلام انتهى كلام ابن بشرون وهو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطي شيخ الأندلس في علوم الكيمياء والسيمياء والسحر في القرن الثالث وما بعده وأنت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الرمز والا لغاز التي لا تكاد تبين ولا تعرف وذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية. والذي يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء وهو الحق الذي يعضده الواقع أنها من جنس آثار النفوس الروحانية وتصرفها في عالم الطبيعة إما من نوع الكرامة إن كانت النفوس خيرة أو من نوع السحر إن كانت النفوس شريرة فاجرة فاما الكرامة فظاهرة وأما السحر فلان الساحر كما ثبت في مكان تحقيقه يقلب الأعيان المادية بقوته السحرية ولابد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله السحري فيها كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر والنبات وبالجملة من غير مادتها المخصوصة بها كما وقع لسحرة فرعون في الحبال والعصي وكما ينقل عن سحرة السودان الهنود في قاصية الجنوب والترك في قاصية الشمال أنهم يسحرون الجو للأمصار وغير ذلك. ولما كانت هذه تخليقا للذهب في غير مادته الخاصة به كان من قبيل السحر والمتكلمون فيه من أعلام الحكماء مثل جابر ومسلمة ومن كان قبلهم من حكماء الأمم إنما نحوا هذا المنحى ولهذا كان كلامهم فيه ألغازا حذرا عليها من إنكار الشرائع على السحر وأنواعه لا أن ذلك يرجع إلى الضنانة بها كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك وانظر كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم وسمى كتابه في السحر والطلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم موضوع الغاية وخصوص موضوع هذه لان الغاية أعلى من الرتبة فكأن مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية وتشاركها في الموضوعات ومن كلامه في الفنين يتبين ما قلناه ونحن نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا الامر بالصناعة
(٥١٣)
مفاتيح البحث: الغنى (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»