تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٥٠٤
الفصل الثالث والعشرون في علم الكيمياء وهو علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب والفضة بالصناعة ويشرح العمل الذي يوصل إلى ذلك فيتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها وقواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك حتى من العضلات الحيوانية كالعظام والريش والبيض والعذرات فضلا عن المعادن ثم يشرح الاعمال التي تخرج بها تلك المادة من القوة إلى الفعل مثل حل الأجسام إلى أجزائها الطبيعية بالتصعيد والتقطير وجمد الذائب منها بالتكليس وإمهاء الصلب بالقهر والصلابة وأمثال ذلك وفي زعمهم أنه يخرج بهذه الصناعات كلها جسم طبيعي يسمونه الإكسير وأنه يلقى منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة بالاستعداد القريب من الفعل مثل الرصاص والقصدير والنحاس بعد أن يحمي بالنار فيعود ذهبا إبريزا ويكنون عن ذلك الإكسير إذا ألغزوا في اصطلاحاتهم بالروح وعن الجسم الذي يلقى عليه بالجسد فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الأجساد المستعدة إلى صورة الذهب والفضة هو علم الكيمياء وما زال الناس يؤلفون فيها قديما وحديثا وربما يعزى الكلام فيها إلى من ليس من أهلها وإمام المدونين فيها جابر بن حيان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر وله فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز وزعموا انه لا يفتح مقفلها إلا من أحاط علما بجميع ما فيها والطغرائي من حكماء المشرق المتأخرين له فيها دواوين ومناظرات مع أهلها وغيرهم من الحكماء وكتب فيها مسلمة المجريطي من حكماء الأندلس كتابه الذي سماه رتبة الحكيم وجعله قرينا لكتابه الآخر في السحر والطلسمات الذي سماه غاية الحكيم وزعم أن هاتين الصناعتين هما نتيجتان للحكمة وثمرتان للعلوم ومن لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم والحكمة أجمع وكلامه في ذلك الكتاب وكلامهم أجمع في تآليفهم هي ألغاز يتعذر فهمها على من لم يعان اصطلاحاتهم في ذلك. ونحن نذكر سبب عدولهم إلى هذه الرموز والألغاز ولابن المغيربي من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم من أبدع ما يجئ
(٥٠٤)
مفاتيح البحث: جابر بن حيان (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»