لها في مصادمة الماء وجعل لها عوض الحركة الحيوانية التي للسمك تحريك الرياح وربما أعينت بحركة المقاذيف كما في الأساطيل وهذه الصناعة من أصلها محتاجة إلى أصل كبير من الهندسة في جميع أصنافها لان اخراج الصور من القوة إلى الفعل على وجه الاحكام محتاج إلى معرفة التناسب في المقادير إما عموما أو خصوصا وتناسب المقادير لابد فيه من الرجوع إلى المهندس ولهذا كانت أئمة الهندسة اليونانيون كلهم أئمة في هذه الصناعة فكان أوقليدوس صاحب كتاب الأصول في الهندسة نجارا وبها كان يعرف وكذلك أبلونيوس صاحب كتاب المخروطات وميلاوش وغيرهم وفيما يقال أن معلم هذه الصناعة في الخليقة هو نوح عليه السلام وبها أنشأ سفينة النجاة التي كانت بها معجزته عند الطوفان وهذا الخبر وإن كان ممكنا أعني كونه نجارا إلا أن كونه أول من علمها أو تعلمها لا يقوم دليل من النقل عليه لبعد الآماد وإنما معناه والله أعلم الإشارة إلى قدم النجارة لأنه لم يصح حكاية عنها قبل خبر نوح عليه السلام فجعل كأنه أول من تعلمها فتفهم أسرار الصنائع في الخليفة والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق الفصل السابع والعشرون في صناعة الحياكة والخياطة هاتان الصناعتان ضروريتان في العمران لما يحتاج إليه البشر من الرفه فالأولى لنسج الغزل من الصوف والكتان والقطن إسداء في الطول وإلجاما في العرض لذلك النسج بالالتحام الشديد فيتم منها قطع مقدرة فمنها الأكسية من الصوف للاشتمال ومنها الثياب من القطن والكتان للباس والصناعة الثانية لتقدير المنسوجات على اختلاف الاشكال والعوائد تفصل بالمقراض قطعا مناسبة للأعضاء البدنية ثم تلحم تلك القطع بالخياطة المحكمة وصلا أو تنبيتا أو تفسحا على حسب نوع الصناعة وهذه الصناعة مختصة بالعمران الحضري لما أن أهل البدو يستغنون عنها وإنما يشتملون الأثواب اشتمالا وإنما تفصيل الثياب وتقديرها وإلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها وتفهم هذه في سر تحريم المخيط في الحج لما أن مشروعية الحج مشتملة على نبذ العلائق الدنيوية كلها والرجوع إلى الله تعالى
(٤١١)