فيذهب رسم تلك الصنائع جملة كما يذهب النقاشون والصواغ والكتاب والنساخ وأمثالهم من الصنائع لحاجات الترف ولا تزال الصناعات في التناقص إلى أن تضمحل والله الخلاق العليم وسبحانه وتعالى الفصل الحادي والعشرون في أن العرب أبعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري وأبعد عن البدو وعمرانه حتى إن الإبل التي أدانت العرب على التوحش في القفر والاعراق في البدو مفقودة لديهم بالجملة ومفقودة مراعيها والرمال المهيئة لنتاجها ولهذا نجد أوطان العرب وما ملكوه في الاسلام قليل الصنائع بالجملة حتى تجلب إليه من قطر آخر وانظر بلاد العجم من الصين والهند وأرض الترك وأمم النصرانية كيف استكثرت فيهم الصنائع واستجلبها الأمم من عندهم وعجم المغرب من البربر مثل العرب في ذلك لرسوخهم في البداوة منذ أحقاب من السنين ويشهد لك بذلك قلة الأمصار بقطرهم كما قدمناه فالصنائع بالمغرب لذلك قليلة وغير مستحكمة الأماكن من صناعة الصوف من نسجه والجلد في خرزه ودبغه فإنهم لما استحضروا بلغوا فيها المبالغ لعموم البلوى بها وكون هذين أغلب السلع في قطرهم لما هم عليه من حال البداوة وأما المشرق فقد رسخت الصنائع فيه منذ ملك الأمم الأقدمين من الفرس والنبط والقبط وبني إسرائيل ويونان والروم أحقابا متطاولة فرسخت فيهم أحوال الحضارة ومن جملتها الصنائع كما قدمناه فلم يمح رسمها وأما اليمن والبحران وعمان والجزيرة وإن ملكه العرب إلا أنهم تداولوا ملكه آلافا من السنين في أمم كثيرين منهم واختطوا أمصاره ومدنه وبلغوا الغاية من الحضارة والترف مثل عاد وثمود والعمالقة وحمير من بعدهم والتبابعة والأذواء فطال أمد الملك والحضارة واستحكمت صبغتها وتوفرت الصنائع ورسخت فلم تبل ببلى الدولة كما قدمناه فبقيت مستجدة حتى الآن واختصت بذلك الوطن كصناعة الوشي والعصب وما يستجاد من حوك الثياب والحرير فيها والله وارث
(٤٠٤)