تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٧٨
يورثه عقبه فيحدث في ذلك الملك الأصغر ما يحدث في الملك الأعظم من عوارض الجدة والهرم وربما يسمو بعض هؤلاء إلى منازع الملوك الأعاظم أصحاب القبائل والعشائر والعصبيات والزحوف والحروب والأقطار والممالك فينتحلون بها من الجلوس على السرير واتخاذ الآلة وإعداد المواكب للسير في أقطار البلد والتختم والحسبية والخطاب بالتمويل ما يسخر منه من يشاهد أحوالهم لما انتحلوه من شارات الملك التي ليسوا لها باهل إنما دفعهم إلى ذلك تقلص الدولة والتحام بعض القرابات حتى صارت عصبية وقد يتنزه بعضهم عن ذلك ويجري على مذهب السذاجة فرار من التعريض بنفسه للسخرية والعبث وقد وقع هذا بأفريقية لهذا العهد في آخر الدولة الحفصية لأهل بلاد الجريد من طرابلس وقابس وتؤزر ونفطة وقفصة وبسكرة والزاب وما إلى ذلك سموا إلى مثلها عند تقلص ظل الدولة عنهم منذ عقود من السنين فاستغلبوا على أمصارهم واستبدوا بامرها على الدولة في الاحكام والجباية وأعطوا طاعة معروفة وصفقة ممرضة وأقطعوها جانبا من الملاينة والملاطفة والانقياد وهم بمعزل عنه وأورثوا ذلك أعقابهم لهذا العهد وحدث في خلفهم من الغلظة والتجبر ما يحدث لا عقاب الملوك وخلفهم ونظموا أنفسهم في عداد السلاطين على قرب عهدهم بالسوقة حتى محا ذلك مولانا أمير المؤمنين أبو العباس وانتزع ما كان بأيديهم من ذلك كما نذكره في أخبار الدولة وقد كان مثل ذلك وقع في آخر الدولة الصنهاجية واستقل بأمصار الجريد أهلها واستبدوا على الدولة حتى انتزع ذلك منهم شيخ الموحدين وملكهم عبد المؤمن بن علي ونقلهم كلهم من إماراتهم بها إلى المغرب ومحا من تلك البلاد آثارهم كما نذكر في أخباره وكذا وقع بسبتة لآخر دولة بني عبد المؤمن وهذا التغلب يكون غالبا في أهل السروات والبيوتات المرشحين للمشيخة والرئاسة في المصر وقد يحدث التغلب لبعض السفلة من الغوغاء والدهماء وإذا حصلت له العصبية والالتحام بالأوغاد لأسباب يجرها له المقدار فيتغلب على المشيخة والعلية إذا كانوا فاقدين للعصابة والله سبحانه وتعالى غالب على أمره
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»