تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٥٣
الرخام ثم زاد فيه المنصور وابنه المهدي من بعده ووقفت الزيادة واستقرت على ذلك لعهدنا. وتشريف الله لهذا البيت وعنايته به أكثر من أن يحاط به وكفى بذلك أن جعله مهبطا للوحي والملائكة ومكانا للعبادة وفرض شرائع الحج ومناسكه وأوجب لحرمه من سائر نواحيه من حقوق التعظيم والحق ما لم يوجبه لغيره فمنع كل من خالف دين الاسلام من دخول ذلك الحرم وأوجب على داخله أن يتجرد من المخيط إلا إزارا يستره وحمى العائذ به والراتع في مسارحه من مواقع الآفات فلا يرام فيه خائف ولا يصاد له وحش ولا يحتطب له شجر. وحد الحرم الذي يختص بهذه الحرمة من طريق المدينة ثلاثة أميال إلى التنعيم ومن طريق العراق سبعة أميال إلى الثنية من جبل المنقطع ومن طريق الطائف سبعة أميال إلى بطن نمرة ومن طريق جدة سبعة أميال إلى منقطع العشائر. هذا شأن مكة وخبرها وتسمى أم القرى وتسمى الكعبة لعلوها من اسم الكعب ويقال لها أيضا بكة قال الأصمعي لان الناس يبك بعضهم بعضا إليها أي يدفع وقال مجاهد باء بكة أبدلوها ميما كما قالوا لازب ولازم لقرب المخرجين وقال النخعي بالباء وبالميم البلد وقال الزهري بالباء للمسجد كله وبالميم للحرم وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظمه والملوك تبعث إليه بالأموال والذخائر مثل كسرى وغيره وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفة وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة مرتين بمائتي قنطار وزنا وقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا رسول الله لو استعنت بهذا المال على حربك فلم يفعل ثم ذكر لابي بكر فلم يحركه هكذا قال الأزرقي وفي البخاري يسنده إلى أبي وائل قال جلست إلى شيبة بن عثمان وقال جلس إلي عمر بن الخطاب فقال هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين قلت ما أنت بفاعل قال ولم قلت فلم يفعله صاحباك فقال هما اللذان يقتدى بهما وخرجه أبو داود وابن ماجة وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة الأفطس وهو الحسن بن الحسين ابن علي بن علي زين العابدين سنة تسع وتسعين ومائة حين غلب مكة عمد إلى
(٣٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»