فيتمسكون بما يحصل منه في أيديهم ويحتكرونه فيعز وجوده لديهم ويغلو ثمنه على مستامه وأما مرافقهم فلا تدعو إليها أيضا حاجة بقلة الساكن وضعف الأحوال فلا تنفق لديهم سوقه فيختص بالرخص في سعره وقد يدخل أيضا في قيمة الأقوات قيمة ما يعرض عليها من المكوس والمغارم للسلطان في الأسواق وباب الحفر والحياة في منافع وصولها عن البيوعات لما يمسهم وبذلك كانت الأسعار في الأمصار أغلى من الأسعار في البادية إذ المكوس والمغارم والفرائض قليلة لديهم أو معدومة وكثرتها في الأمصار لا سيما في آخر الدولة وقد تدخل أيضا في قيمة الأقوات قيمة علاجها في التاريخ ويحافظ على ذلك في أسعارها كما وقع بالأندلس لهذا العهد وذلك أنهم بما ألجأهم النصارى إلى سيف البحر وبلاده المتوعرة الخبيثة الزارعة النكدة النبات وملكوا عليهم الأرض الزاكية والبلد الطيب فاحتاجوا إلى علاج المزارع والفدن لاصلاح نباتها وفلحها وكان ذلك العلاج باعمال ذات قيم ومواد من الزبل وغيره لها مؤنة وصارت في فلحهم نفقات لها خطر فاعتبروها في سعرهم واختص قطر الأندلس بالغلاء منذ اضطرهم النصارى إلى هذا المعمور بالاسلام مع سواحلها لاجل ذلك ويحسب الناس إذا سمعوا بغلاء الأسعار في قطرهم أنها لقلة الأقوات والحبوب في أرضهم وليس كذلك فهم أكثر أهل المعمور فلحا فيما علمناه وأقومهم عليه وقل أن يخلو منهم سلطان أو سوقة عن فدان أو مزرعة أو فلح إلا قليل من أهل الصناعات والمهن أو الطراء على الوطن من الغزاة المجاهدين ولهذا يختصهم السلطان في عطائهم بالعولة وهي أقواتهم وعلوفاتهم من الزرع وإنما السبب في غلاء سعر الحبوب عندهم ما ذكرناه. ولما كانت بلاد البربر بالعكس من ذلك في زكاء منابتهم وطيب أرضهم ارتفعت عنهم المؤن جملة في الفلح مع كثرته وعمومته فصار ذلك سببا لرخص الأقوات ببلدهم والله مقدر الليل والنهار وهو الواحد القهار لا رب سواه الفصل الثالث عشر في قصور اهل البادية عن سكنى المصر الكثير العمران والسبب في ذلك أن المصر الكثير العمران يكثر ترفه كما قدمناه وتكثر
(٣٦٤)