تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٤٨
ذهب سره بذهابه فرجع إليها العفن والوباء وهذه الحكاية من مذاهب العامة ومباحثهم الركيكة والكبرى لم يكن من نباهة العلم واستنارة البصيرة بحيث يدفع مثل هذا أو يتبين خرفه فنقله كما سمعه والذي يكشف لك الحق في ذلك أن هذه الأهوية العفنة أكثر ما يهيئها لتعفين الأجسام وأمراض الحميات ركودها فإذا تخللتها الريح وتفشت وذهبت بها يمينا وشمالا خف شأن العفن والمرض البادي منها للحيوانات والبلد إذا كان كثير الساكن وكثرت حركات أهله فيتموج الهواء ضرورة وتحدث الريح المتخللة للهواء الراكد ويكون ذلك معينا له على الحركة والتموج وإذا خف الساكن لم يجد الهواء معينا على حركته وتموجه وبقي ساكنا راكدا وعظم عفنه وكثر ضرره وبلد قابس هذه كانت عندما كانت أفريقية مستجدة العمران كثيرة الساكن تموج بأهلها موجا فكان ذلك معينا على تموج الهواء واضطرابه وتخفيف الأذى منه فلم يكن فيها كثير عفن ولا مرض وعندما خف ساكنها ركد هواؤها المتعفن بفساد مياهها فكثر العفن والمرض فهذا وجهه لا غير وقد رأينا عكس ذلك في بلاد وضعت ولم يراع فيها طيب الهواء وكانت أولا قليلة الساكن فكانت أمراضها كثيرة فلما كثر سكانها انتقل حالها عن ذلك وهذا مثل دار الملك بفاس لهذا العهد المسمى بالبلد الجديد وكثير من ذلك في العالم فتفهمه تجد ما قلته لك وأما جلب المنافع والمرافق للبلد فيراعى فيه أمور منها الماء بأن يكون البلد على نهر أو بإزائها عيون عذبة ثرة فإن وجود الماء قريبا من البلد يسهل على الساكن حاجة الماء وهي ضرورية فيكون لهم في وجوده مرفقة عظيمة عامة ومما يراعى من المرافق في المدن طيب المراعي لسائمتهم إذ صاحب كل قرار لابد له من دوجن الحيوان للنتاج والضرع والركوب ولا بد لها من المرعى فإذا كان قريبا طيبا كان ذلك أرفق بحالهم لما يعانون من المشقة في بعده ومما يراعى أيضا المزارع فإن الزروع هي الأقوات فإذا كانت مزارع البلد بالقرب منها كان ذلك أسهل في اتخاذه وأقرب في تحصيله ومن ذلك الشجر للحطب والبناء فإن الحطب مما تعم البلوى في اتخاذه لوقود النيران للاصطلاء والطبخ والخشب أيضا ضروري لسقفهم وكثير مما يستعمل فيه الخشب من ضرورياتهم وقد يراعى أيضا قربها من
(٣٤٨)
مفاتيح البحث: المرض (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»