تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٥١
إليها من كل أفق من جميع أهل الخليقة لا من بني إسماعيل ولا من غيرهم ممن دنا أو نأى فقد نقل أن التبابعة كانت تحج البيت وتعظمه وأن تبعا كساها الملاء والوصائل وأمر بتطهيرها وجعل لها مفتاحا ونقل أيضا أن الفرس كانت تحجه وتقرب إليه وأن غزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم كانا من قرا بينهم ولم يزل لجرهم الولاية عليه من بعد ولد إسماعيل من قبل خؤولتهم حتى إذا خرجت خزاعة وأقاموا بها بعدهم ما شاء الله ثم كثر ولد إسماعيل وانتشروا وتشعبوا إلى كنانة ثم كنانة إلى قريش وغيرهم وساءت ولاية خزاعة فغلبتهم قريش على أمره وأخرجوهم من البيت وملكوا عليهم يومئذ قصي بن كلاب فبنى البيت وسقفه بخشب الدوم وجريد النخل وقال الأعشى خلفت بثوبي راهب الدور والتي * بناها قصي والمضاض بن جرهم ثم أصاب البيت سيل ويقال حريق وتهدم وأعادوا بناءه وجمعوا النفقة لذلك من أموالهم وانكسرت سفينة بساحل جدة فاشتروا خشبها للسقف وكانت جدرانه فوق القامة فجعلوها ثماني عشرة ذراعا وكان الباب لاصقا بالأرض فجعلوه فوق القامة لئلا تدخله السيول وقصرت بهم النفقة عن إتمامه فقصروا عن قواعده وتركوا منه ست أذرع وشبرا أداروها بجدار قصير يطاف من ورائه وهو الحجر وبقي البيت على هذا البناء إلى أن تحصن ابن الزبير بمكة حين دعا لنفسه وزحفت إليه جيوش يزيد بن معاوية مع الحصين بن نمير السكوني ورمى البيت سنة أربع وستين فأصابه حريق يقال من النفط الذي رموا به على ابن الزبير فأعاد بناءه أحسن مما كان بعد أن اختلفت عليه الصحابة في بنائه واحتج عليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لولا قومك حديثو عهد بكفر لرددت البيت على قواعد إبراهيم ولجعلت له بابين شرقيا وغربيا فهدمه وكشف عن أساس إبراهيم عليه السلام وجمع الوجوه والأكابر حتى عاينوه وأشار عليه ابن عباس بالتحري في حفظ القبلة على الناس فأدار على الأساس الخشب ونصب من فوقها الاستار حفظا للقبلة وبعث إلى صنعاء في الفضة والكلس فحملها وسأل عن مقطع الحجارة الأول فجمع منها ما احتاج إليه ثم شرع في البناء على أساس إبراهيم عليه السلام ورفع جدرانها سبعا وعشرين
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»