تدل بظاهرها على ذلك وخالف أبو حنيفة والشافعي. وأصبحت على كل حال ثانية المسجد الحرام وجنح إليها الأمم بأفئدتهم من كل أوب فانظر كيف تدرجت الفضيلة في هذه المساجد المعظمة لما سبق من عناية الله لها وتفهم سر الله في الكون وتدريجه على ترتيب محكم في أمور الدين والدنيا. وأما غير هذه المساجد الثلاثة فلا نعلمه في الأرض إلا ما يقال من شأن مسجد آدم عليه السلام بسرنديب من جزائر الهند لكنه لم يثبت فيه شئ يعول عليه وقد كانت للأمم في القديم مساجد يعظمونها على جهة الديانة بزعمهم منها بيوت النار للفرس وهياكل يونان وبيوت العرب بالحجاز التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمها في غزواته وقد ذكر المسعودي منها بيوتا لسنا من ذكرها في شئ إذ هي غير مشروعة ولا هي على طريق ديني ولا يلتفت إليها ولا إلى الخبر عنها ويكفي في ذلك ما وقع في التواريخ فمن أراد معرفة الاخبار فعليه بها والله يهدي من يشاء سبحانه الفصل السابع في أن المدن والأمصار بإفريقية والمغرب قليلة والسبب في ذلك أن هذه الأقطار كانت للبربر منذ آلاف من السنين قبل الاسلام وكان عمرانها كله بدويا ولم تستمر فيهم الحضارة حتى تستكمل أحوالها والدول التي ملكتهم من الإفرنجة والعرب لم يطل أمد ملكهم فيهم حتى ترسخ الحضارة منها فلم تزل عوائد البداوة وشؤونها فكانوا إليها أقرب فلم تكثر مبانيهم وأيضا فالصنائع بعيدة عن البربر لأنهم أعرق في البدو والصنائع من توابع الحضارة وإنما تتم المباني بها فلا بد من الحذق في تعلمها فلما لم يكن للبربر انتحال لها لم يكن لهم تشوق إلى المباني فضلا عن المدن وأيضا فهم أهل عصبيات وأنساب لا يخلو عن ذلك جمع منهم والأنساب والعصبية أجنح إلى البدو وإنما يدعو إلى المدن الدعة والسكون ويصير ساكنها عيالا على حاميتها فتجد أهل البدو لذلك يستنكفون عن سكنى المدينة أو الإقامة بها فلا يدعو إلى ذلك إلا الترف والغنى وقليل ما هو في الناس فلذلك كان عمران أفريقية والمغرب كله أو أكثره بدويا أهل خيام وظواعن وقياطن وكنن في الجبال وكان عمران بلاد العجم كله أو أكثره قرى
(٣٥٧)