تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٤٢
شيخ الحنفية من العجم بالديار المصرية عن هذه الملحمة وعن هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية وهو الباجر بقي وكان عارفا بطرائقهم فقال كان من القلندرية المبتدعة في حلق اللحية وكان يتحدث عما يكون بطريق الكشف ويومي إلى رجال معينين عنده ويلغز عليهم بحروف يعينها في ضمنها لمن يراه منهم وربما يظهر نظم ذلك في أبيات قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه وولع الناس بها وجعلوها ملحمة مرموزة وزاد فيها الخراصون من ذلك الجنس في كل عصر وشغل العامة بفك رموزها وهو أمر ممتنع إذ الرمز إنما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله ويوضع له وأما مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النظم لا يتجاوزه فرأيت من كلام هذا الرجل الفاضل شفاء لما كان في النفس من أمر هذه الملحمة وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق الفصل الرابع من الكتاب الأول في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق الفصل الأول في أن الدول من المدن والأمصار وانها انما توجد ثانية عن الملك وبيانه أن البناء واختطاط المنازل إنما هو من منازع الحضارة التي يدعو إليها الترف والدعة كما قدمناه وذلك متأخر عن البداوة ومنازعها وأيضا فالمدن والأمصار ذات هياكل وأجرام عظيمة وبناء كبير وهي موضوعة للعموم لا للخصوص فتحتاج إلى اجتماع الا يدي وكثرة التعاون وليست من الأمور الضرورية للناس التي تعم بها البلوى حتى يكون نزوعهم إليها اضطرارا بل لا بد من إكراههم على ذلك وسوقهم إليه مضطهدين بعصا الملك أو مرغبين في الثواب والأجر الذي لا يفي بكثرته إلا
(٣٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 ... » »»