تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٤٣
الملك والدولة فلا بد في تمصير الأمصار واختطاط المدن من الدولة والملك ثم إذا بنيت المدينة وكمل تشييدها بحسب نظر من شيدها وبما اقتضته الأحوال السماوية والأرضية فيها فعمر الدولة حينئذ عمر لها فإن كان عمر الدولة قصيرا وقف الحال فيها عند انتهاء الدولة وتراجع عمرانها وخربت وإن كان أمد الدولة طويلا ومدتها منفسحة فلا تزال المصانع فيها تشاد والمنازل الرحيبة تكثر وتتعدد ونطاق الأسواق يتباعد وينفسح إلى أن تتسع الخطة وتبعد المسافة وينفسح ذرع المساحة كما وقع ببغداد وأمثالها. ذكر الخطيب في تأريخه أن الحمامات بلغ عددها ببغداد لعهد المأمون خمسة وستين ألف حمام وكانت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تجاوز الأربعين ولم تكن مدينة وحدها يجمعها سور واحد لافراط العمران وكذا حال القيروان وقرطبة والمهدية في الملة الاسلامية وحال مصر القاهرة بعدها فيما بلغنا لهذا العهد وأما بعد انقراض الدولة المشيدة للمدينة فإما أن يكون لضواحي تلك المدينة وما قاربها من الجبال والبسائط بادية يمدها العمران دائما فيكون ذلك حافظا لوجودها ويستمر عمرها بعد الدولة كما تراه بفاس وبجاية من المغرب وبعراق العجم من المشرق الموجود لها العمران من الجبال لان أهل البداوة إذا انتهت أحوالهم إلى غاياتها من الرفه والكسب تدعو إلى الدعة والسكون الذي في طبيعة البشر فينزلون المدن والأمصار ويتأهلون وأما إذا لم يكن لتلك المدينة المؤسسة مادة تفيدها العمران بترادف الساكن من بدوها فيكون انقراض الدولة خرقا لسياجها فيزول حفظها ويتناقص عمرانها شيئا فشيئا إلى أن يبذعر ساكنها وتخرب كما وقع بمصر وبغداد والكوفة بالمشرق والقيروان والمهدية وقلعة بني حماد بالمغرب وأمثالها فتفهمه وربما ينزل المدينة بعد انقراض مختطيها الأولين ملك اخر ودولة ثانية يتخذها قرارا وكرسيا يستغني بها عن اختطاط مدينة ينزلها فتحفظ تلك الدولة سياجها وتتزايد مبانيها ومصانعها بتزايد أحوال الدولة الثانية وترفها وتستجد بعمرانها عمرا آخر كما وقع بفاس والقاهرة لهذا العهد والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق
(٣٤٣)
مفاتيح البحث: مدينة الكوفة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»