تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٣٤٧
وجمع الفعلة لهدمها فلم يحل بطائل وشرعوا في نقبه فانتهوا إلى جوبين الحائط والظاهر وما بعده من الحيطان وهنالك كان منتهى هدمهم وهو إلى اليوم فيما يقال منفذ ظاهر ويزعم الزاعمون أنه وجد ركازا بين تلك الحيطان والله أعلم وكذلك حنايا المعلقة إلى هذا العهد تحتاج أهل مدينة تونس إلى انتخاب الحجارة لبنائهم وتستجيد الصناع حجارة تلك الحنايا فيحاولون على هدمها الأيام العديدة ولا يسقط الصغير من جدرانها إلا بعد عصب الريق وتجتمع له المحافل المشهورة شهدت منها في أيام صباي كثيرا والله خلقكم وما تعلمون الفصل الخامس فيما تجب مراعاته في أوضاع المدن وما يحدث إذا غفل عن المراعاة إعلم أن المدن قرار يتخذه الأمم عند حصول الغاية المطلوبة من الترف ودواعيه فتؤثر الدعة والسكون وتتوجه إلى اتخاذ المنازل للقرار ولما كان ذلك القرار والمأوى وجب أن يراعى فيه دفع المضار بالحماية من طوارقها وجلب المنافع وتسهيل المرافق لها فأما الحماية من المضار فيراعى لها أن يدار على منازلها جميعا سياج الأسوار وأن يكون وضع ذلك في متمنع من الأمكنة إما على هضبة متوعرة من الجبل وإما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العدو ويتضاعف امتناعها وحصنها ومما يراعى في ذلك للحماية من الآفات السماوية طيب الهواء للسلامة من الأمراض فإن الهواء إذا كان راكدا خبيثا أو مجاورا للمياه الفاسدة أو مناقع متعفنة أو مروج خبيثة أسرع إليها العفن من مجاورتها فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محالة وهذا مشاهد والمدن التي لم يراع فيها طيب الهواء كثيرة الأمراض في الغالب وقد اشتهر بذلك في قطر المغرب بلد قابس من بلاد الجريد بأفريقية فلا يكاد ساكنها أو طارقها يخلص من حمى العفن بوجه ولقد يقال إن ذلك حادث فيها ولم تكن كذلك من قبل ونقل البكري في سبب حدوثه أنه وقع فيها حفر ظهر فيه إناء من نحاس مختوم بالرصاص فلما فض ختامه صعد منه دخان إلى الجو وانقطع وكان ذلك مبدأ أمراض الحميات فيه وأراد بذلك أن الاناء كان مشتملا على بعض أعمال الطلسمات لوبائه وأنه
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»