الفصل الثاني في أن الملك يدعو إلى نزول الأمصار وذلك أن القبائل والعصائب إذا حصل لهم الملك اضطروا للاستيلاء على الأمصار لامرين أحدهما ما يدعو إليه الملك من الدعة والراحة وحط الاثقال واستكمال ما كان ناقصا من أمور العمران في البدو والثاني دفع ما يتوقع على الملك من أمر المنازعين والمشاغبين لان المصر الذي يكون في نواحيهم ربما يكون ملجأ لمن يروم منازعتهم والخروج عليهم وانتزاع ذلك الملك الذي سموا إليه من أيديهم فيعتصم بذلك المصر ويغالبهم ومغالبة المصر على نهاية من الصعوبة والمشقة والمصر يقوم مقام العساكر المتعددة لما فيه من الامتناع ونكاية الحرب من وراء الجدران من غير حاجة إلى كثير عدد ولا عظيم شوكة لان الشوكة والعصابة إنما احتيج إليهما في الحرب للثبات لما يقع من بعد كرة القوم بعضهم على بعض عند الجولة وثبات هؤلاء بالجدران فلا يضطرون إلى كبير عصابة ولا عدد فيكون حال هذا الحصن ومن يعتصم به من المنازعين مما يفت في عضد الأمة التي تروم الاستيلاء ويخضد شوكة استيلائها فإذا كانت بين أجنابهم أمصار انتظموها في استيلائهم للأمن من مثل هذا الانخرام وإن لم يكن هناك مصر استحدثوه ضرورة لتكميل عمرانهم أولا وحط أثقالهم وليكون شجا في حلق من يروم العزة والامتناع عليهم من طوائفهم وعصائبهم فتعين أن الملك يدعو إلى نزول الأمصار والاستيلاء عليها والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب سواه الفصل الثالث في أن المدن العظيمة والهياكل المرتفعة انما يشيدها الملك الكثير قد قدمنا ذلك في آثار الدولة من المباني وغيرها وأنها تكون على نسبتها وذلك أن تشييد المدن إنما يحصل باجتماع الفعلة وكثرتهم وتعاونهم فإذا كانت الدولة عظيمة متسعة الممالك حشر الفعلة من أقطارها وجمعت أيديهم على عملها وربما استعين في ذلك في أكثر الامر بالهندام الذي يضاعف القوي والقدر في حمل أثقال البناء
(٣٤٤)