تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٥٦
ملوك شيزر وكان ملكها من أيديهم وأبقى عليهم في دولته فبعث عبد الكريم منهم هذا إلى ملك المغرب طالبا مدد الأساطيل لتحول في البحر بين أساطيل الأجانب وبين مرامهم من أمداد النصرانية بثغور الشام وأصحبه كتابه إليه في ذلك من إنشاء الفاضل البيساني يقول في افتتاحه فتح الله لسيدنا أبواب المناجح والميامن حسبما نقله العماد الأصفهاني في كتاب الفتح القيسي فنقم عليهم المنصور تجافيهم عن خطابه بأمير المؤمنين وأسرها في نفسه وحملهم على مناهج البر والكرامة وردهم إلى مرسلهم ولم يجبه إلى حاجته من ذلك وفي هذا دليل على اختصاص ملك المغرب بالأساطيل وما حصل للنصرانية في الجانب الشرقي من هذا البحر من الاستطالة وعدم عناية الدول بمصر والشام لذلك العهد وما بعده لشأن الأساطيل البحرية والاستعداد منها للدولة ولما هلك أبو يعقوب المنصور واعتلت دولة الموحدين واستولت أمم الجلالقة على الأكثر من بلاد الأندلس والجأوا المسلمين إلى سيف البحر وملكوا الجزائر التي بالجانب الغربي من البحر الرومي قويت ريحهم في بسيط هذا البحر واشتدت شوكتهم وكثرت فيه أساطيلهم وتراجعت قوة المسلمين فيه إلى المساواة معهم كما وقع لعهد السلطان أبي الحسن ملك زناتة بالمغرب فإن أساطيله كانت عند مرامه الجهاد مثل عدة النصرانية وعديدهم ثم تراجعت عن ذلك قوة المسلمين في الأساطيل لضعف الدولة ونسيان عوائد البحر بكثرة العوائد البدوية بالمغرب وانقطاع العوائد الأندلسية ورجع النصارى فيه إلى دينهم المعروف من الدربة فيه والمران عليه والبصر بأحواله وغلب الأمم في لجته على أعواده وصار المسلمون فيه كالأجانب إلا قليلا من أهل البلاد الساحلية لهم المران عليه لو وجدوا كثرة من الأنصار والأعوان أو قلة من الدولة تستجيش لهم أعوانا وتوضح لهم في هذا الغرض مسلكا وبقيت الرتبة لهذا العهد في الدولة الغربية محفوظة والرسم في معاناة الأساطيل بالانشاء والركوب معهودا لما عساه أن تدعو إليه الحاجة من الأغراض السلطانية في البلاد البحرية والمسلمون يستهبون الريح على الكفر وأهله فمن المشتهر بين أهل المغرب عن كتب الحدثان أنه لابد للمسلمين من الكرة على النصرانية وافتتاح ما وراء البحر من بلاد الإفرنجة وأن ذلك يكون في الأساطيل والله ولي المؤمنين وهو
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»