هذه الوظيفة لمن يكون وشروط الناظر فيها والكاتب وقوانين الحسبانات فامر راجع إلى كتب الأحكام السلطانية وهي مسطورة هنالك وليست من غرض كتابنا وإنما نتكلم فيها من حيث طبيعة الملك الذي نحن بصدد الكلام فيه وهذه الوظيفة جزء عظيم من الملك بل هي ثالثة أركانه لان الملك لابد له من الجند والمال والمخاطبة لمن غاب عنه فاحتاج صاحب الملك إلى الأعوان في أمر السيف وأمر القلم وأمر المال فينفرد صاحبها لذلك بجزء من رئاسة الملك وكذلك كان الامر في دولة بني أمية بالأندلس والطوائف بعدهم وأما في دولة الموحدين فكان صاحبها إنما يكون من الموحدين يستقل بالنظر في استخراج الأموال وجمعها وضبطها وتعقب نظر الولاة والعمال فيها ثم تنفيذها على قدرها وفي مواقيتها وكان يعرف بصاحب الاشغال وكان ربما يليها في الجهات غير الموحدين ممن يحسنها. ولما استبد بنو أبي حفص بأفريقية وكان شان الجالية من الأندلس فقدم عليهم أهل البيوتات وفيهم من كان يستعمل ذلك في الأندلس مثل بني سعيد أصحاب القلعة جوار غرناطة المعروفين ببني أبي الحسن فاستكفوا بهم في ذلك وجعلوا لهم النظر في الاشغال كما كان لهم بالأندلس ودالوا فيها بينهم وبين الموحدين ثم استقل بها أهل الحسبان والكتاب وخرجت عن الموحدين ثم لما استغلظ أمر الحاجب ونفذ أمره في كل شأن من شؤون الدولة تعطل هذا الرسم وصار صاحبه مرؤوسا للحاجب وأصبح من جملة الجباة وذهبت تلك الرئاسة التي كانت له في الدولة. وأما دولة بني مرين لهذا العهد فحسبان العطاء والخراج مجموع لواحد وصاحب هذه الرتبة هو الذي يصحح الحسبانات كلها ويرجع إلى ديوانه ونظره معقب بنظر السلطان أو الوزير وخطه معتبر في صحة الحسبان في الخارج والعطاء هذه أصول الرتب والخطط السلطانية وهي الرتب العالية التي هي عامة النظر ومباشرة للسلطان. وأما هذه الرتبة في دولة الترك فمتنوعة وصاحب ديوان العطاء يعرف بناظر الجيش وصاحب المال مخصوص باسم الوزير وهو الناظر في ديوان الجباية العامة للدولة وهو أعلى رتب الناظرين في الأموال لان النظر في الأموال عندهم يتنوع إلى رتب كثيرة لانفساح دولتهم وعظمة سلطانهم واتساع الأموال والجبايات عن أن يستقل بضبطها الواحد من الرجال ولو بلغ في الكفاية مبالغه فتعين للنظر العام
(٢٤٥)