الساكنين حفافيه معروفة في القديم والحديث ولما ملك المسلمون مصر كتب عمر ابن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن صف لي البحر نكتب إليه إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فأوعز حينئذ بمنع المسلمين من ركوبه ولم يركبه أحد من العرب إلا من افتات على عمر في ركوبه ونال من عقابه كما فعل بعرفجة بن هرثمة الأزدي سيد بجيلة لما أغزاه عمان فبلغه غزوه في البحر فأنكر عليه وعنفه أنه ركب البحر للغزو ولم يزل الشأن ذلك حتى إذا كان لعهد معاوية أذن للمسلمين في ركوبه والجهاد على أعواده والسبب في ذلك أن العرب لبداوتهم لم يكونوا مهرة في ثقافته وركوبه والروم والإفرنجة لممارستهم أحواله ومرباهم في التقلب على أعواده مرنوا عليه وأحكموا الدراية بثقافته فلما استقر الملك للعرب وشمخ سلطانهم وصارت أمم العجم خولا لهم وتحت أيديهم وتقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صناعته واستخدموا من النواتية في حاجاتهم البحرية أمما وتكررت ممارستهم للبحر وثقافته واستحدثوا بصراء بها فشرهوا إلى الجهاد فيه وأنشأوا السفن فيه والشواني وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح وأمطوها العساكر والمقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر واختصوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب لهذا البحر وعلى حافته مثل الشام وأفريقية والمغرب والأندلس وأوعز الخليفة عبد الملك إلى حسان بن النعمان عامل أفريقية باتخاذ دار صناعة بتونس لانشاء الآلات البحرية حرصا على مراسم الجهاد ومنها كان فتح صقلية أيام زيادة الله الأول ابن إبراهيم بن الأغلب على يد أسد بن الفرات شيخ الفتيا وفتح قوصرة أيضا في أيامه بعد أن كان معاوية بن حديج أغزى صقلية أيام معاوية بن أبي سفيان فلم يفتح الله على يديه وفتحت على يد ابن الأغلب وقائده أسد بن الفرات وكانت من بعد ذلك أساطيل أفريقية والأندلس في دولة العبيديين والأمويين تتعاقب إلى بلادهما في سبيل الفتنة فتجوس خلال السواحل بالافساد والتخريب وانتهى أسطول الأندلس أيام عبد الرحمن الناصر إلى مائتي مركب أو نحوها وأسطول أفريقية كذلك مثله أو قريبا منه وكان قائد الأساطيل بالأندلس ابن دماحس ومرفأها للحط والاقلاع بجاية والمرية وكانت أساطيلها مجتمعة من سائر الممالك
(٢٥٣)