تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
أيام السلطان أبي الحسن فيما أدركناه مائة من الطبول ومائة من البنود ملونة بالحرير منسوجة بالذهب ما بين كبير وصغير ويأذنون للولاة والعمال والقواد في اتخاذ راية واحدة صغيرة من الكتان بيضاء وطبل صغير أيام الحرب لا يتجاوزون ذلك وأما دولة الترك لهذا العهد بالمشرق فيتخذون راية واحدة عظيمة وفي رأسها خصلة كبيرة من الشعر يسمونها الشالش والجتر وهي شعار السلطان عندهم ثم تتعدد الرايات ويسمونها السناجق واحدها سنجق وهي الراية بلسانهم. وأما الطبول فيبالغون في الاستكثار منها ويسمونها الكوسات ويبيحون لكل أمير أو قائد عسكر أن يتخذ من ذلك ما يشاء إلا الجتر فإنه خاص بالسلطان. وأما الجلالقة لهذا العهد من أمم الإفرنجة بالأندلس فأكثر شأنهم اتخاذ الألوية القليلة ذاهبة في الجو صعدا ومعها قرع الأوتار من الطنابير ونفخ الغيطات يذهبون فيها مذهب الغناء وطريقه في مواطن حروبهم هكذا يبلغنا عنهم وعمن وراءهم من ملوك العجم ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين (السرير). وأما السرير والمنبر والتخت والكرسي فهي أعواد منصوبة أو أرائك منضدة لجلوس السلطان عليها مرتفعا عن أهل مجلسه أن يساويهم في الصعيد ولم يزل ذلك من سنن الملوك قبل الاسلام وفي دول العجم وقد كانوا يجلسون على أسرة الذهب وكان لسليمان بن داود صلوات الله عليهما وسلامه كرسي وسرير من عاج مغشى بالذهب إلا أنه لا تأخذ به الدول إلا بعد الاستفحال والترف شأن الأبهة كلها كما قلناه وأما في أول الدولة عند البداوة فلا يتشوقون إليه. وأول من اتخذه في الاسلام معاوية واستأذن الناس فيه وقال لهم إني قد بدنت فأذنوا له فاتخذه واتبعه الملوك الاسلاميون فيه وصار من منازع الأبهة ولقد كان عمرو بن العاصي بمصر يجلس في قصره على الأرض مع العرب ويأتيه المقوقس إلى قصره ومعه سرير من الذهب محمولا علي الأيدي لجلوسه شأن الملوك فيجلس عليه وهو أمامه ولا يغيرون عليه وفاء له بما اعتقد معهم من الذمة واطراحا لأبهة الملك ثم كان بعد ذلك لبني العباس والعبيديين وسائر ملوك الاسلام شرقا وغربا من الأسرة والمنابر والتخوت ما عفا عن الأكاسرة والقياصرة والله مقلب الليل والنهار
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»