تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٧٢
ثلاثة من الآباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحيح وإن نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمود النسب وإن زادت بمثله فقد سقط واحد وكذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصلا لديك فتأمله تجده في الغالب صحيحا والله يقدر الليل والنهار الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة إعلم أن هذه الأطوار طبيعية للدول فإن الغلب الذي يكون به الملك إنما هو بالعصبية وبما يتبعها من شدة البأس وتعود الافتراس ولا يكون ذلك غالبا إلا مع البداوة فطور الدولة من أولها بداوة ثم إذا حصل الملك تبعه الرفه واتساع الأحوال والحضارة إنما هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله فلكل واحد منها صنائع في استجادته والتأنق فيه تختص به ويتلو بعضها بعضا وتتكثر باختلاف ما تنزع إليه النفوس من الشهوات والملاذ والتنعم بأحوال الترف وما تتلون به من العوائد فصار طور الحضارة في الملك يتبع طور البداوة ضرورة لضرورة تبعية الرفه للملك وأهل الدول أبدا يقلدون في طور الحضارة وأحوالها للدولة السابقة قبلهم فأحوالهم يشاهدون ومنهم في الغالب يأخذون ومثل هذا وقع للعرب لما كان الفتح وملكوا فارس والروم واستخدموا بناتهم وأبناءهم ولم يكونوا لذلك العهد في شئ من الحضارة فقد حكي أنه قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعا وعثروا على الكافور في خزائن كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحا ومثال ذلك كثير فلما استعبدوا أهل الدولة قبلهم واستعملوهم في مهنهم وحاجات منازلهم واختاروا منهم المهرة في أمثال ذلك والقومة عليهم أفادوهم علاج ذلك والقيام على عمله والتفنن فيه مع ما حصل لهم من اتساع العيش والتفنن في أحواله فبلغوا الغاية في ذلك وتطوروا بطور الحضارة والترف في الأحوال واستجادة المطاعم والمشارب والملابس والمباني والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون والخرثي وكذلك أحوالهم في أيام المباهاة والولائم وليالي الأعراس فأتوا من ذلك وراء الغاية وانظر
(١٧٢)
مفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»