تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٦٧
وتقرع عصبيتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتى لا يترك لاحد منهم في الامر لا ناقة ولا جملا فينفرد بذلك المجد بكليته ويدفعهم عن مساهمته وقد يتم ذلك للأول من ملوك الدولة وقد لا يتم إلا للثاني والثالث على قدر ممانعة العصبيات وقوتها إلا أنه أمر لابد منه في الدول سنة الله التي قد خلت في عباده والله تعالى أعلم الفصل الحادي عشر في أن من طبيعة الملك الترف وذلك أن الأمة إذا تغلبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها فتكثر عوائدهم ويتجاوزون ضرورات العيش وخشونته إلى نوافله ورقته وزينته ويذهبون إلى اتباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم وتصير لتلك النوافل عوائد ضرورية في تحصيلها وينزعون مع ذلك إلى رقة الأحوال في المطاعم والملابس والفرش والآنية ويتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم من الأمم في أكل الطيب ولبس الأنيق وركوب الفارة ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم إلى آخر الدولة وعلى قدر ملكهم يكون حظهم من ذلك وترفهم فيه إلى أن يبلغوا من ذلك الغاية التي للدولة إلى أن تبلغها بحسب قوتها وعوائد من قبلها سنة الله في خلقه والله تعالى أعلم الفصل الثاني عشر في أن من طبيعة الملك الدعة والسكون وذلك أن الأمة لا يحصل لها الملك إلا بالمطالبة والمطالبة غايتها الغلب والملك وإذا حصلت الغاية انقضى السعي إليها (قال الشاعر) عجبت لسعي الدهر بيني وبينها * فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر فإذا حصل الملك أقصروا عن المتاعب التي كانوا يتكلفونها في طلبه وآثروا الراحة والسكون والدعة ورجعوا إلى تحصيل ثمرات الملك من المباني والمساكن والملابس فيبنون القصور ويجرون المياه ويغرسون الرياض ويستمتعون بأحوال الدنيا ويؤثرون الراحة على المتاعب ويتأنقون في أحوال الملابس والمطاعم والآنية والفرش ما استطاعوا ويألفون ذلك ويورثونه من بعدهم من أجيالهم ولا يزال ذلك يتزايد فيهم
(١٦٧)
مفاتيح البحث: الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»