تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٧٤
فارس صنيعا أحضر فيه صحاف الذهب على أخونة الفضة أربعا على كل واحد وتحمله أربع وصائف ويجلس عليه أربعة من الناس فإذا طعموا أتبعوا أربعتهم المائدة بصحافها ووصفائها فقال الحجاج يا غلام انحر الجزر وأطعم الناس وعلم أنه لا يستقل بهذه الأبهة وكذلك كانت ومن هذا الباب أعطية بني أمية وجوائزهم فإنما كان أكثرها الإبل أخذا بمذاهب العرب وبداوتهم ثم كانت الجوائز في دولة بني العباس والعبيديين من بعدهم ما علمت من أحمال المال وتخوت الثياب وإعداد الخيل بمراكبها وهكذا كان شأن كتامة مع الأغالبة بأفريقية وكذا بني طفج بمصر وشأن لمتونة مع ملوك الطوائف بالأندلس والموحدين كذلك وشأن زناتة مع الموحدين وهلم جرا تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدول الخالفة فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد وانتقلت حضارة بني العباس إلى الديلم ثم إلى الترك ثم إلى السلجوقية ثم إلى الترك المماليك بمصر والتتر بالعراقين وعلى قدر عظم الدولة يكون شأنها في الحضارة إذا أمور الحضارة من توابع الترف والترف من توابع الثروة والنعمة والثروة والنعمة من توابع الملك ومقدار ما يستولي عليه أهل الدولة فعلى نسبة الملك يكون ذلك كله فاعتبره وتفهمه وتأمله تجده صحيحا في العمران والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين الفصل السادس عشر في أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها والسبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك والترف كثر التناسل والولد والعمومية فكثرت العصابة واستكثروا أيضا من الموالي والصنائع وربيت أجيالهم في جو ذلك النعيم والرفه فازدادوا به عددا إلى عددهم وقوة إلى قوتهم بسبب كثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد فإذا ذهب الجيل الأول والثاني وأخذت الدولة في الهرم لم تستقل أولئك الصنائع والموالي بأنفسهم في تأسيس الدولة وتمهيد ملكها لأنهم ليس لهم من الامر شئ إنما كانوا عيالا على أهلها ومعونة لها فإذا ذهب الأصل لم يستقل الفرع بالرسوخ فيذهب ويتلاشى ولا تبقى الدولة على حالها
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»