تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٧٠
كانوا قبلهم وربوا في ماء النعيم والسلطان وظله وكذلك في دولة الموحدين بأفريقية فإن صاحبها كثيرا ما يتخذ أجناده من زنانة والعرب ويستكثر منهم ويترك أهل الدولة المتعودين للترف فتستجد الدولة بذلك عمرا آخر سالما من الهرم والله وارث الأرض ومن عليها الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها اعمار طبيعية كما للاشخاص إعلم أن العمر الطبيعي للاشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون مائة وعشرون سنة وهي سنو القمر الكبرى عند المنجمين ويختلف العمر في كل جيل بحسب القرانات فيزيد عن هذا وينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات مائة تامة وبعضهم خمسين أو ثمانين أو سبعين على ما تقتضيه أدلة القرانات عند الناظرين فيها وأعمار هذه الملة ما بين الستين إلى السبعين كما في الحديث ولا يزيد على العمر الطبيعي الذي هو مائة وعشرون إلا في الصور النادرة وعلى الأوضاع الغريبة من الفلك كما وقع في شأن نوح عليه السلام وقليل من قوم عاد وثمود وأما أعمار الدول أيضا وإن كانت تختلف بحسب القرانات إلا أن الدولة في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال والجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو انتهاء النمو والنشوء إلى غايته قال تعالى حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ولهذا قلنا إن عمر الشخص الواحد هو عمر الجيل ويؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع في بني إسرائيل وأن المقصود بالأربعين فيه فناء الجيل الاحياء ونشأة جيل آخر لم يعهدوا الذل ولا عرفوه فدل على اعتبار الأربعين في عمر الجيل الذي هو عمر الشخص الواحد وإنما قلنا إن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال لان الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب والناس لهم مغلوبون والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة ومن الشظف إلى الترف والخصب ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به وكسل الباقين عن
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»