تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٦١
تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبسين يطلبون بمثل هذه الدعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بشئ من أسبابها العادية فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك ولا يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة وتسوء عاقبة مكرهم وقد كان لأول هذه المائة خرج بالسوس رجل من المتصوفة يدعى التوبذري عمد إلى مسجد ماسة بساحل البحر هناك وزعم أنه الفاطمي المنتظر تلبيسا على العامة هنالك بما ملا قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنا لك وأن من ذلك المسجد يكون أصل دعوته فتهافتت عليه طوائف من عامة البربر تهافت الفراش ثم خشي رؤساؤهم اتساع نطاق الفتنة فدس إليه كبير المصامدة يومئذ عمر السكسيوي من قتله في فراشه وكذلك خرج في غماره أيضا لأول هذه المائة رجل يعرف بالعباس وادعى مثل هذه الدعوة واتبع نعيقه الأرذلون من سفهاء تلك القبائل وأغمارهم وزحف إلى بادس من أمصارهم ودخلها عنوة. ثم قتل لأربعين يوما من ظهور دعوته ومضى في الهالكين الأولين وأمثال ذلك كثير والغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية في مثلها وأما إن كان التلبيس فأحرى أن لا يتم له أمر وأن يبوء بإثمه وذلك جزاء الظالمين والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه الفصل السابع في أن كل دولة لها حصة من الممالك والأوطان لا تزيد عليها والسبب في ذلك أن عصابة الدولة وقومها القائمين بها الممهدين لها لا بد من توزيعهم حصصا على الممالك والثغور التي تصير إليهم ويستولون عليها لحمايتها من العدو وإمضاء أحكام الدولة فيها من جباية وردع وغير ذلك فإذا توزعت العصائب كلها على الثغور والممالك فلا بد من نفاد عددها وقد بلغت الممالك حينئذ إلى حد يكون ثغرا للدولة وتخما لوطنها ونطاقا لمركز ملكها فان تكفلت الدولة بعد ذلك زيادة على ما بيدها بقي دون حامية وكان موضعا لانتهاز الفرصة من العدو والمجاور ويعود وبال ذلك على الدولة بما يكون فيه من التجاسر وخرق سياج الهيبة
(١٦١)
مفاتيح البحث: الظلم (1)، القتل (3)، السجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»