من القوة واعتبر هذا بما وقع في الدولة العربية في الاسلام كان عدد العرب كما قلنا لعهد النبوءة والخلافة مائة وخمسين ألفا وما يقاربها من مضر وقحطان ولما بلغ الترف مبالغة في الدولة وتوفر نموهم بتوفر النعمة واستكثر الخلفاء من الموالي والصنائع بلغ ذلك العدد إلى أضعافه يقال إن المعتصم نازل عمورية لما افتتحها في تسعمائة ألف ولا يبعد مثل هذا العدد أن يكون صحيحا إذا اعتبرت حاميتهم في الثغور الدانية والقاصية شرقا وغربا إلى الجند الحاملين سرير الملك والموالي والمصطنعين وقال المسعودي أحصى بنو العباس ابن عبد المطلب خاصة أيام المأمون للانفاق عليهم فكانوا ثلاثين ألف بين ذكران وإناث فانظر مبالغ هذا العدد لأقل من مائتي سنة واعلم أن سببه الرفه والنعيم الذي حصل للدولة وربي فيه أجيالهم وإلا فعدد العرب لأول الفتح لم يبلغ هذا ولا قريبا منه والله الخلاق العليم الفصل السابع عشر في أطوار الدولة واختلاف أحوالها وخلق أهلها باختلاف الأطوار إعلم أن الدولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجددة ويكتسب القائمون بها في كل طور خلقا من أحوال ذلك الطور لا يكون مثله في الطور الاخر لان الخلق تابع بالطبع لمزاج الحال الذي هو فيه وحالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسة أطوار الطور الأول طور الظفر بالبغية وغلب المدافع والممانع والاستيلاء على الملك وانتزاعه من أيدي الدولة في هذا الطور أسوة قومه في اكتساب المجد وجباية المال والمدافعة عن الحوزة والحماية لا ينفرد دونهم بشئ لان ذلك هو مقتضى العصبية التي وقع بها الغلب وهي لم تزل بعد بحالها الطور الثاني طور الاستبداد على قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا باصطناع الرجال واتخاذ الموالي والصنائع والاستكثار من ذلك لجدع أنوف أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبة الضاربين في الملك بمثل سهمه فهو يدافعهم عن الامر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم أن يخلصوا إليه حتى يقر الامر في نصابه ويفرد أهل بيته بما يبني من مجده فيعاني من مدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه الأولون في طلب
(١٧٥)