تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٦٠
طلب الرئاسة فأجدر أن تعوقه العوائق وتنقطع به المهالك لأنه أمر الله لا يتم إلا برضاه وإعانته والاخلاص له والنصيحة للمسلمين ولا يشك في ذلك مسلم ولا يرتاب فيه ذو بصيرة وأول ابتداء هذه النزعة في الملة ببغداد حين وقعت فتنة طاهر وقتل الأمين وأبطأ المأمون بخراسان عن مقدم العراق ثم عهد لعلي بن موسى الرضى من آل الحسين فكشف بنو العباس عن وجه النكير عليه وتداعوا للقيام وخلع طاعة المأمون والاستبدال منه وبويع إبراهيم بن المهدي فوقع الهرج ببغداد وانطلقت أيدي الزعرة بها من الشطار والحربية على أهل العافية والصون وقطعوا السبيل وامتلأت أيديهم من نهاب الناس وباعوها علانية في الأسواق واستعدى أهلها الحكام فلم يعدوهم فتوافر أهل الدين وا لصلاح على منع الفساق وكف عاديتهم وقام ببغداد رجل يعرف بخالد الدريوس ودعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابه خلق وقاتل أهل الزعارة فغلبهم وأطلق يده فيهم بالضرب والتنكيل ثم قام من بعده رجل آخر من سواد أهل بغداد يعرف بسهل ابن سلامة الأنصاري ويكنى أبا حاتم وعلق مصحفا في عنقه ودعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فاتبعه الناس كافة من بين شريف ووضيع من بني هاشم فمن دونهم ونزل قصر طاهر واتخذ الديوان وطاف ببغداد ومنع كل من أخاف المارة ومنع الخفارة لأولئك الشطار وقال له خالد الدريوس أنا لا أعيب على السلطان فقال له سهل لكني أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة كائنا من كان وذلك سنة إحدى ومائتين وجهز له إبراهيم بن المهدي العساكر فغلبه وأسره وانحل أمره سريعا وذهب ونجا بنفسه ثم اقتدى بهذا العمل بعد كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحق ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبية ولا يشعرون بمغبة أمرهم ومآل أحوالهم والذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء إما المداواة إن كانوا من أهل الجنون وإما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثوا هرجا وإما إذاعة السخرية منهم وعدهم من جملة الصفاعين وقد ينتسب بعضهم إلى الفاطمي المنتظر إما بأنه هو أو بإنه داع له وليس مع ذلك على علم من أمر الفاطمي ولا ما هو وأكثر المنتحلين لمثل هذا
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»