صبغة الغلب في العالم وعقيدة إيمانية استقرت في الاذعان لهم فلو راموها معه أو دونه لزلزلت الأرض زلزالها وهذا كما وقع للأدارسة بالمغرب الأقصى والعبيديين بإفريقية ومصر لما انتبذ الطالبيون من المشرق إلى القاصية وابتعدوا عن مقر الخلافة وسموا إلى طلبها من أيدي بني العباس بعد أن استحكمت الصبغة لبني عبد مناف لبني أمية أولا ثم لبني هاشم من بعدهم فخرجوا بالقاصية من المغرب ودعوا لأنفسهم وقام بأمرهم البرابرة مرة بعد أخرى فأوربة ومغيلة للأدارسة وكتامة وصنهاجة وهوارة للعبيديين فشيدوا دولتهم ومهدوا بعصائبهم أمرهم واقتطعوا من ممالك العباسيين المغرب كله ثم أفريقية ولم يزل ظل الدولة يتقلص وظل العبيديين يمتد إلى أن ملكوا مصر والشام والحجاز وقاسموهم في الممالك الاسلامية شق الأبلمة وهؤلاء البرابرة القائمون بالدولة مع ذلك كلهم مسلمون للعبيديين أمرهم مذعنون لملكهم وإنما كانوا يتنافسون في الرتبة عندهم خاصة تسليما لما حصل من صبغة الملك لبني هاشم ولما استحكم من الغلب لقريش ومضر على سائر الأمم فلم عزل الملك في أعقابهم إلى أن انقرضت دولة العرب بأسرها والله يحكم لا معقب لحكمه الفصل الرابع في أن الدول العامة الاستيلاء العظيمة الملك اصلها الدين اما من نبوة أو دعوة حق وذلك لان الملك إنما يحصل بالتغلب والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه قال تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم وسره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله اتحدت وجهتها فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة كما نبين لك بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى وبه التوفيق لا رب سواه
(١٥٧)