الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم وهذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة فلا بد له من العصبية وفي الحديث الصحيح كما مر ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه وإذا كان هذا في الأنبياء وهم أولى الناس بخرق العوائد فما ظنك بغيرهم أن لا تخرق له العادة في الغلب بغير عصبية وقد وقع هذا لابن قسي شيخ الصوفية وصاحب كتاب خلع النعلين في التصوف ثار بالأندلس داعيا إلى الحق وسمي أصحابه بالمرابطين قبيل دعوة المهدي فاستتب له الامر قليلا لشغل لمتونة بما دهمهم من أمر الموحدين ولم تكن هناك عصائب ولا قبائل يدفعونه عن شأنه فلم يلبث حين استولى الموحدون على المغرب أن أذعن لهم ودخل في دعوتهم وتابعهم من معقله بحصن أركش وأمكنهم من ثغره وكان أول داعية لهم بالأندلس وكانت ثورته تسمى ثورة المرابطين ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء فان كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه والامر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتلثلثون بهم من الغوغاء والدهماء ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين لان الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم وإنما أمر به حيث تكون القدرة عليه قال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر كما قدمناه وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة والله حكيم عليم فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب وكان فيه محقا قصر به الانفراد عن العصبية فطاح في هوة الهلاك وأما إن كان من المتلبسين بذلك في
(١٥٩)