يكلفون على أهل الاعمال من الصنائع والحرف أعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطا من الاجر والثمن والاعمال كما سنذكره هي أصل المكاسب وحقيقتها وإذا فسدت الاعمال وصارت مجانا ضعفت الآمال في المكاسب وانقبضت الأيدي عن العمل وابذعر الساكن وفسد العمران وأيضا فإنهم ليست لهم عناية بالاحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهبا أو غرامة فإذا توصلوا إلى ذلك وحصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد وربما فرضوا العقوبات في الأموال حرصا على تحصيل الفائدة والجباية والاستكثار منها كما هو شأنهم وذلك ليس بمغن في دفع المفاسد وزجر المتعرض لها بل يكون ذلك زائدا فيها لاستسهال الغرم في جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا في ملكتهم كأنها فوضى (1) دون حكم والفوضى مهلكة للبشر مفسدة للعمران بما ذكرناه من أن وجود الملك خاصة طبيعية للانسان لا يستقيم وجودهم واجتماعهم إلا بها وتقدم ذلك أول الفصل وأيضا فهم متنافسون في الرئاسة وقل أن يسلم أحد منهم الامر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى كره من أجل الحياء فيتعدد الحكام منهم والأمراء وتختلف الأيدي على الرعية في الجباية والاحكام فيفسد العمران وينتقض قال الأعرابي الوافد على عبد الملك لما سأله عن الحجاج وأراد الثناء عليه عنده بحسن السياسة والعمران فقال تركته يظلم وحده وانظر إلى ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليفة كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه وبدلت الأرض فيه غير الأرض فاليمن قرارهم خراب إلا قليلا من الأمصار وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع والشام لهذا العهد كذلك وأفريقية والمغرب لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحق بها وعادت بسائطه خرابا كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمرانا تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر والله
(١٥٠)