تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٦٣
الفصل الثامن في أن عظم الدولة واتساع نطاقها وطول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة والكثرة والسبب في ذلك أن الملك إنما يكون بالعصبية وأهل العصبية هم الحامية الذين ينزلون بممالك الدولة وأقطارها وينقسمون عليها فما كان من الدولة العامة قبيلها وأهل عصابتها أكثر كانت أقوى وأكثر ممالك وأوطانا وكان ملكها أوسع لذلك واعتبر ذلك بالدولة الاسلامية لما ألف الله كلمة العرب على الاسلام وكان عدد المسلمين في غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مائة ألف وعشرة آلاف من مضر وقحطان ما بين فارس وراجل إلى من أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة فلما توجهوا لطلب ما في أيدي الأمم من الملك لم يكن دونه حمى ولا وزر فاستبيح حمى فارس والروم أهل الدولتين العظيمتين في العالم لعهدهم والترك بالمشرق والإفرنجة والبربر بالمغرب والقوط بالأندلس وخطوا من الحجاز إلى السوس الأقصى ومن اليمن إلى الترك بأقصى الشمال واستولوا على الأقاليم السبعة ثم انظر بعد ذلك دولة صنهاجة والموحدين مع العبيديين قبلهم لما كان كتامة القائمين بدولة العبيديين أكثر من صنهاجة ومن المصامدة كانت دولتهم أعظم فملكوا أفريقية والمغرب والشام ومصر والحجاز ثم انظر بعد ذلك دولة زناتة لما كان عددهم أقل من المصامدة قصر ملكهم عن ذلك الموحدين لقصور عددهم عن عدد المصامدة منذ أول أمرهم ثم اعتبر بعد ذلك حال الدولتين لهذا العهد لزناتة بني مرين وبني عبد الواد كانت دولتهم أقوى منها وأوسع نطاقا وكان لهم عليهم الغلب مرة بعد أخرى. يقال إن عدد بني مرين لأول ملكهم كان ثلاثة آلاف وإن بني عبد الواد كانوا ألفا إلا أن الدولة بالرفه وكثرة التابع كثرت من أعدادهم وعلى هذه النسبة في أعداد المتغلبين لأول الملك يكون اتساع الدولة وقوتها وأما طول أمدها أيضا فعلى تلك النسبة لان عمر الحادث من قوة مزاجه ومزاج الدول إنما هو بالعصبية فإذا كانت العصبية قوية كان المزاج تابعا لها وكان أمد العمر طويلا والعصبية إنما هي بكثرة العدد ووفوره كما قلناه والسبب الصحيح في ذلك أن النقص إنما يبدو في الدولة من
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»