استبدت كل واحدة منها بجانب من الأندلس وحظ كبير من الملك على نسبة الدولة التي اقتسموها ولم يزالوا في سلطانهم ذلك حتى جاز إليهم البجر المرابطون أهل العصبية القوية من لمتونة فاستبدلوا بهم وأزالوهم عن مراكزهم ومحوا آثارهم ولم يقتدروا على مدافعتهم لفقدان العصبية لديهم فبهذه العصبية يكون تمهيد الدولة وحمايتها من أولها وقد ظن الطرطوشي أن حامية الدول باطلاق هم الجند أهل العطاء المفروض مع الآهلة ذكر ذلك في كتابه الذي سماه سراج الملوك وكلامه لا يتناول تأسيس الدول العامة في أولها وإنما هو مخصوص بالدول الأخيرة بعد التمهيد واستقرار الملك في النصاب واستحكام الصبغة لأهله فالرجل إنما أدرك الدولة عند هرمها وخلق جدتها ورجوعها إلى الاستظهار بالموالي والصنائع ثم إلى المستخدمين من ورائهم بالأجر على المدافعة فإنه إنما أدرك دول الطوائف وذلك عند اختلال بني أمية وانقراض عصبيتها من العرب واستبداد كل أمير بقطره وكان في إيالة المستعين من هود وابنه المظفر أهل سرقسطة ولم يكن بقي لهم من أمر العصبية شئ لاستيلاء الترف على العرب منذ ثلاثمائة من السنين وهلاكهم ولم ير إلا سلطانا مستبدا بالملك عن عشائره فقد استحكمت له صبغة الاستبداد منذ عهد الدولة وبقية العصبية فهو لذلك لا ينازع فيه ويستعين على أمره بالاجراء من المرتزقة فأطلق الطرطوشي القول في ذلك ولم يتفطن لكيفية الامر منذ أول الدولة وإنه لا يتم إلا لأهل العصبية فتفطن أنت له وافهم سر الله فيه والله يؤتي ملكه من يشاء الفصل الثالث في أنه قد يحدث لبعض اهل النصاب الملكي دولة تستغني عن العصبية وذلك أنه إذا كان لعصبية غلب كثير على الأمم والأجيال وفي نفوس القائمين بأمره من أهل القاصبة إذعان لهم وانقياد فإذا نزع إليهم هذا الخارج وانتبذ عن مقر ملكه ومنبت عزه اشتملوا عليه وقاموا بأمره وظاهروه على شانه وعنوا بتمهيد دولته يرجون استقراره في نصابه وتناوله الامر من يد أعياصه وجزاءه لهم على مظاهرته باصطفائهم لرتب الملك وخططه من وزارة أو قيادة أو ولاية ثغر ولا يطمعون في مشاركته في شئ من سلطانه تسليما لعصبيته وانقيادا لما استحكم له ولقومه من
(١٥٦)