تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٥٨
الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في اصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها والسبب في ذلك كما قدمناه أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شئ لان الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون عليه وأهل الدولة التي هم طالبوها وإن كانوا أضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقية الموت حاصل فلا يقاومونهم وإن كا نوا أكثر منهم بل يغلبون عليهم ويعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذل كما قدمناه وهذا كما وقع للعرب صدر الاسلام في الفتوحات فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعة وثلاثين ألفا في كل معسكر وجموع فارس مائة وعشرين ألفا بالقادسية وجموع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف فلم يقف للعرب أحد من الجانبين وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم واعتبر ذلك أيضا في دولة لمتونة ودولة الموحدين كان فقد بالمغرب من القبائل كثير ممن يقاومهم في العدد والعصبية أو يشف عليهم إلا أن الاجتماع الديني ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار والاستماتة كما قلناه فلم يقف لهم شئ واعتبر ذلك إذا حالت صبغة الدين وفسدت كيف ينتقض الامر ويصير الغلب على نسبة العصبية وحدها دون زيادة الدين فتغلب الدولة من كان تحت يدها من العصائب المكافئة لها أو الزائدة القوة عليها الذين غلبتهم بمضاعفة الدين لقوتها ولو كانوا أكثر عصبية منها وأشد بداوة واعتبر هذا في الموحدين مع زناتة لما كانت زناتة أبدى من المصامدة وأشد توحشا وكان للمصامدة الدعوة الدينية باتباع المهدي فلبسوا صبغتها وتضاعفت قوة عصبيتهم بها فغلبوا على زناتة أولا واستتبعوهم وإن كانوا من حيث العصبية والبداوة أشد منهم فلما خلوا من تلك الصبغة الدينية انتقضت عليهم زناتة من كل جانب وغلبوهم على الامر وانتزعوه منهم والله غالب على أمره
(١٥٨)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»