وكان يباشر الأمور بنفسه ولا يركن إلى أحد وكان كثيرا ما يستتر بالليل ويخرج الأموال ويقصد مواضع الفقراء والأيتام وعم جميع المستحقين بالعطاء وكان الفقراء يدعون له بكل مكان وفي كل يوم يجلس فس مجلس مخصوص وتحضر الأمراء والجند والوافدون ولا يأنف أن يتكلم في جليل الأمور وحقيرها ثم يطعم الناس فإذا حضر وزير الأموال انقلب إلى مكان آخر مع من يشرفه بالحضور من الفضلاء من فقيه وأديب ومنجم وطبيب فإذا فرغ من هؤلاء دخل إلى داره واستراح إلى أذان العصر فيخرج إلى موضع آخر غير الموضعين الأولين يتفقد فيه الأمور الخاصة بقصره فإذا أذن المغرب دخل إلى ما هنأه به الله من اللذات ولم يقطع صلاة الجمعة في الجامع ولا يخل بها ويجلس يوم السبت في القبة العظمى وحوله أقاربه وشيوخ دولته على مراتبهم وتقرأ عليه المظالم بحضرة القاضي وغيره ويجزم الحكم ويفصله وله في ذلك أخبار ظريفة ورفع إليه طائفة من الشعراء قصائد فوقع عليها بما رآه وكان منهم شاعر يعرف ب ابن المخظية وكان في قصيدته خطأ فوقع يعطي أن قصيدته كذا وكذا فاستحسن البلغاء هذا منه وكان مرة أصابه ألم في عينيه فدخل إليه خواصه وفيهم شخص يلقب بالخرا فقال له وقد كلمه يا مولانا أبصرتني فقال لا بل شممتك ومات بالرعاف وهو نازل بعسكره على بونة آخر مدن إفريقية رحمه الله ومن شعره في الجوز * تفضل بطعم له ملبس * صلابة وجه لئيم حكى * * إذا بز عن جسمه ثوبه * أتاك كما يمضغ المصطكي * وقال يصف الرمح من قصيدة وهو معنى غريب * وأسمر غر شيب النقع رأسه * إلا أنما بعد القشيب مشيب * * مددت به كفى إليهم كأنه * رشاء ومن قلب الكمي قليب * وقال * أمالكتى قلب الكئيب تعطفا * بساكنتي ربع الضلوع ترحما * * على هائم أعياه حمل غرامه * وأعقبه فرط الغرام تألما *
(٦١٥)