العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٠٥
فيقول له: " لعل الله أن يجعل لك صاحبا " فيزداد بها أبو بكر قوة، وتحدث له بها همة. وهذه كلمة ما قالها النبي صلى الله عليه لمستأذن قبله، فيعلم أبو بكر عند ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عناه، فيشجع من نفسه، ويشد من منته، طمعه في شرف الصحبة، وإكرامه إياه بفضيلة المرافقة.
وقد استأذن النبي صلى الله عليه الناس [قبله (1)] بسنين، فكان أولهم أبو سلمة بن عبد الأسد (2)، وآخرهم عمر بن الخطاب، لقرب حال عمر في الفضل والصبر من حال أبى بكر. فكأنه خاطب المهاجرين، على التعريف لهم بفضيلة (3) صبر أبى بكر على صبرهم. مشحذة لهم على إعطاء الجهد، وترغيبا لهم في غاية الصبر في مستقبل الأمور وحوادث الامتحان. فكأنه قال: إذا لم تستتموا الصبر، ولم تبلغوا غاية الجهد، ولم تصبروا ما أقام، فقد نصرته أنا إذ أخرجته ثاني اثنين.
والدليل على ما قلنا قول عمر لقريش حين بادأهم العداوة، ونصب لهم الحرب، وأحس من نفسه بالجلد وشدة الشكيمة، وقوة العزيمة:
" أما والله أن لو قد صرنا مائة لتركتموها لنا إن تركناها لكم " يعنى مكة.
فلو كان جميع من هاجر إلى الحبشة وأتى المدينة على مثل هذا العزم

(1) تكملة يفتقر إليها الكلام.
(2) اسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أسلم بعد عشرة أنفس، وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع. الإصابة 4774.
(3) في الأصل: " فضيلة ".
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»