العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١٠١
كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، والله عزيز حكيم (1) ".
فلا يخلو قوله: " إلا تنصروه " من أحد وجوه: إما أن يكون خاطب به المشركين عامة. أو خص به الخاذلين العادين والباغين، أو يكون خاطب به المؤمنين.
ولا يجوز أن يكون عنى به المشركين، لأنه لا يجوز في الحكمة وفى المعروف من البيان أن يقول الرجل الحكيم المبين، للعدو المكاشف بعداوته. المظهر لضغنه، الباذل لرأيه وماله، المعاند في فعله: إلا تنصرني فقد نصرني فلان! لان النصر لا يلتمس من العدو المكاشف، وإنما يلتمس من الولي أو من الخاذل.
وكيف يقول هذا وإنما غايته الانتصار منه بغيره.
وفى قول الله عز وجل: " إذ أخرجه الذين كفروا " دليل أن المخاطب بالكلام غير الذين كفروا به وجحدوه وأخرجوه. ولا يجوز أن يكون عنى الخاذلين له من قريش ومشركي مكة إلا والخاذلون قد كانوا هناك معروفين، بائنين من العادين المتوثبين المبادين بالعداوة.
المظهرين للمحاربة، ولا نعلمهم كانوا ببطن مكة صنفين متمايزين، [و] فريقين متباينين، حتى يكون كل حزب مشهورا بالذي هو عليه من الخذلان والعداوة، وليس بطن من بطون قريش إلا وقد لقى النبي صلى الله عليه وسلم منه أعظم المكروه وإن كانوا في ذلك على طبقات:
من مجتهد لا يبقى، ولا يفتر ولا يسأم، ومن رجل مائل معهم بضلعه (2).

(1) الآية 40 من سورة التوبة.
(2) الضلع، بالفتح: الميل.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»