العثمانية - الجاحظ - الصفحة ١١٠
وهذا ما لا يجوز في عقل، ولا يسنح في فكر، ولا يجوز في التعارف، ولا يليق بالبيان.
وكيف والله يقول على اتصال اللفظ باللفظ والمعنى بالمعنى. وتركيب الآية الأخرى على الأولى: " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ".
ولا كافر أعظم كفرا، ولا أشد عنودا من ثانيه وصاحبه في الغار، ورفيقه في الطريق، والمعزى لشدة حزنه. إن كان الشأن على ما قالوا وكما وصفوا.
وإنما المنافقة (1) أن يكون الرجل معتقدا لجحد الرسول وعداوته ولكن الرسول هو الغالب على داره القاطع لمن بادأه بالعداوة. وناوأه في الفضيلة، فإنما يستبقى نفسه بنفاقه. وبتزميل حقده، وإخفاء ضغنه.
فأما رجل مقيم بمكة قليل مفرد، وذليل مطرد، وخائف مشرد، بين استخفاء يعدل الموت، أو هرب يقطع الأحشاء، والذي هرب معه مقهور مخذول، والغالب على داره عدوه، فكيف كان أبو بكر منافقا والحال على ما وصفنا؟!
ولولا كثرة الفساد وما عم الناس من الغلط وفحش الخطأ ما كان لذكر هذا وشبهه معنى.
والأثر المجتمع عليه من أصحاب السير والاشعار والاخبار، أن النبي صلى الله عليه قال لحسان: أما قلت في أبى بكر شيئا (2)؟ فأنشأ يقول:

(1) في الأصل: " المنافقون ".
(2) في البيان 3: 361 أن الأبيات رثاء في أبى بكر. وانظر ما كتبت هناك في حواشيه وكذا جمهرة أشعار العرب ص 13 وصفة الصفوة 1: 89.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»